إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَرَبُّكَ أَعۡلَمُ بِمَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَلَقَدۡ فَضَّلۡنَا بَعۡضَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ عَلَىٰ بَعۡضٖۖ وَءَاتَيۡنَا دَاوُۥدَ زَبُورٗا} (55)

{ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ في السماوات والأرض } وبتفاصيلِ أحوالِهم الظاهرة والكامنة التي بها يستأهلون الاصطفاءَ والاجتباءَ فيختار منهم لنبوته وولايتِه من يشاء ممن يشاء ممن يستحقه ، وهو ردٌّ عليهم إذ قالوا : بعيدٌ أن يكون يتيمُ أبي طالبٍ نبياً وأن يكون العُراةُ الجوعى أصحابَه دون أن يكون ذلك من الأكابر والصناديدِ ، وذكرُ من في السماوات لإبطال قولِهم : لولا أُنزل علينا الملائكةُ ، وذكرُ مَن في الأرض لرد قولِهم :

{ لَوْلاَ نُزّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ } { وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النبيين على بَعْضٍ } بالفضائل النفسانيةِ والتنّزهِ عن العلائق الجُسمانية لا بكثرة الأموالِ والأتباع { وَآتَيْنَا دَاوُودُ زَبُوراً } بيانٌ لحيثية تفضيلِه عليه الصلاة والسلام فإن ذلك إيتاءُ الزبور لا إيتاءُ الملك والسلطنةِ ، وفيه إيذانٌ بتفضيل النبي عليه الصلاة والسلام فإن نعوتَه الجليلةَ وكونَه خاتمَ النبيين مسطورةٌ في الزبور ، وأن المرادَ بعباد الله الصالحين في قوله تعالى : { أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عبادي الصالحون } هو النبيُّ عليه الصلاة والسلام وأمته ، وتعريفُ الزبور تارة وتنكيرُه أخرى إما لأنه في الأصل فَعولٌ بمعنى المفعول كالحَلوب أو مصدر بمعناه كالقول ، وإما لأن المرادَ آتينا داودَ زبوراً من الزُّبُر ، أو بعضاً من الزبور فيه ذكرُه عليه الصلاة والسلام ، وقرئ بضم الزاي على أنه جمع زِبْر بمعنى مزبور .