الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَرَبُّكَ أَعۡلَمُ بِمَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَلَقَدۡ فَضَّلۡنَا بَعۡضَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ عَلَىٰ بَعۡضٖۖ وَءَاتَيۡنَا دَاوُۥدَ زَبُورٗا} (55)

أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : { ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض } قال : اتخذ الله إبراهيم خليلاً ، وكلم موسى تكليماً ، وجعل عيسى كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فكان ، وهو عبد الله ورسوله من كلمة الله وروحه ، وآتى سليمان ملكاً عظيماً لا ينبغي لأحد من بعده ، وآتى داود زبوراً ، وغفر لمحمد صلى الله عليه وسلم ما تقدم من ذنبه وما تأخر .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله : { ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض } قال : كلم الله موسى ، وأرسل محمداً إلى الناس كافة .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { وآتينا داود زبوراً } قال : كنا نحدث أنه دعاء علمه داود وتحميد أو تمجيد الله عز وجل ليس فيه حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الربيع بن أنس رضي الله عنه قال : الزبور ثناء على الله ودعاء وتسبيح .

وأخرج أحمد في الزهد ، عن عبد الرحمن بن مردويه قال : في زبور آل داود ثلاثة أحرف : طوبى لرجل لا يسلك سبيل الخطائين ، وطوبى لمن لم يأتمر بأمر الظالمين ، وطوبى من لم يجالس البطالين .

وأخرج أحمد في الزهد ، عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال : في أول شيء من مزامير داود عليه السلام : طوبى لرجل لا يسلك طريق الخطائين ولم يجالس البطالين ، ويستقيم على عبادة ربه عز وجل ، فمثله كمثل شجرة نابتة على ساقية لا يزال فيها الماء يفضل ثمرها في زمان الثمار ، ولا تزال خضراء في غير زمان الثمار .

وأخرج أحمد ، عن مالك بن دينار رضي الله عنه قال : قرأت في بعض زبور داود - عليه السلام - تساقطت القرى وأبطل ذكرهم ، وأنا دائم الدهر مقعد كرسي للقضاء .

وأخرج أحمد ، عن وهب رضي الله عنه قال : وجدت في كتاب داود - عليه السلام - أن الله تبارك وتعالى يقول : «بعزتي وجلالي إنه من أهان لي ولياً ، فقد بارزني بالمحاربة ، وما ترددت عن شيء أريد ، ترددي عن موت المؤمن ، قد علمت أنه يكره الموت ولا بد له منه ، وأنا أكره أن أسوءه » قال : وقرأت في كتاب آخر : أن الله تبارك وتعالى يقول : «كفاني لعبدي مالاً إذا كان عبدي في طاعتي أعطيته قبل أن يسألني ، واستجبت له من قبل أن يدعوني ، فإني أعلم بحاجته التي ترفق به من نفسه » قال : وقرأت في كتاب آخر : إن الله عز وجل يقول : «بعزتي إنه من اعتصم بي وإن كادته السماوات بمن فيهن ، والأرضون بمن فيهن ، فإني أجعل له من بين ذلك مخرجاً ، ومن لم يعتصم بي ، فإني أقطع يديه من أسباب السماء ، وأخسف به من تحت قدميه الأرض فأجعله في الهواء ، ثم أكله إلى نفسه » .

وأخرج أحمد ، عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال : في حكمة آل داود وحق على العاقل أن لا يشتغل عن أربع ساعات : ساعة يناجي ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يفضي فيها إلى إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ، ويصدقونه عن نفسه ، وساعة يخلي بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل ، فإن هذه الساعات : عون على هذه الساعات ، وإجماع للقلوب ، وحق على العاقل أن يكون عارفاً بزمانه ، حافظاً للسانه ، مقبلاً على شأنه ، وحق على العاقل أن لا يظعن إلا في إحدى ثلاث : زاد لمعاد ، أو مرمة لمعاش ، أو لذة في غير محرم .

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ، عن خالد الربعي رضي الله عنه قال : وجدت فاتحة الزبور الذي يقال له : زبور داود عليه السلام - أن رأس الحكمة خشية الله تعالى .

وأخرج أحمد ، عن أيوب الفلسطيني رضي الله عنه قال : مكتوب في مزامير داود عليه السلام : «أتدري لمن أغفر ؟ قال : لمن يا رب ؟ قال : للذي إذا أذنب ذنباً ارتعدت لذلك مفاصله ، فذلك الذي آمر ملائكتي أن لا يكتبوا عليه ذلك الذنب » .

وأخرج أحمد عن مالك بن دينار رضي الله عنه قال : مكتوب في الزبور ، بطلت الأمانة ، والرجل مع صاحبه بشفتين مختلفتين ، يهلك الله عز وجل كل ذي شفتين مختلفتين . قال : ومكتوب في الزبور ، بنار المنافق تحترق المدينة .

وأخرج أحمد ، عن مالك بن دينار رضي الله عنه قال : مكتوب في الزبور - وهو أول الزبور - «طوبى لمن لم يسلك سبيل الأثمة ، ولم يجالس الخطائين ، ولم يفيء في هم المستهزئين ، ولكن همه سنة الله عز وجل ، وإياها يتعلم بالليل والنهار ، مثله مثل شجرة تنبت على شط تؤتي ثمرتها في حينها ، ولا يتناثر من ورقها شيء ، وكل عمله بأمري ، ليس ذلك مثل عمل المنافقين » .

وأخرج أحمد عن مالك بن دينار رضي الله عنه قال : قرأت في الزبور بكبر المنافق يحترق المسكين .

وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال : قرأت في آخر زبور داود - عليه الصلاة والسلام - ثلاثين سطراً «يا داود هل تدري أي المؤمنين أحب إلي أن أطيل حياته ؟ الذي قال لا إله إلا الله أقشعر جلده ، وإني أكره لذلك الموت كما تكره الوالدة لولدها ، ولا بد له منه ، إني أريد أن أسره في دار سوى هذه الدار ، فإن نعيمها بلاء ، ورخاءها شدة ، فيها عدو لا يألوهم خبالاً يجري منه مجرى الدم ، من أجل ذلك عجلت أوليائي إلى الجنة .

وأخرج ابن أبي شيبة ، عن مالك بن مغول قال : في زبور داود مكتوب «إني أنا الله لا إله إلا أنا ملك الملوك قلوب الملوك بيدي ، فأيما قوم كانوا على طاعة جعلت الملوك عليهم رحمة ، وأيما قوم كانوا على معصية ، جعلت الملوك عليهم نقمة ، لا تشغلوا أنفسكم بسبب الملوك ، ولا تتوبوا إليهم ، توبوا إليَّ أعطف قلوبهم عليكم » .