{ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَءاتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ( 55 ) }
{ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ } ذاتا وحالا واستحقاقا فيختار منهم لنبوته وولايته من يشاء وهو رد لاستبعاد قريش أن يكون يتيم أبي طالب نبيا ، وأن يكون العراة الجوع أصحابه ، قاله البيضاوي .
أقول عبر بهذه العبارة حكاية عن الكفار ، وإلا فلا يجوز إطلاقها على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى إنه أفتى بعض المالكية بقتل قائلها كما في الشفاء فكان ينبغي له تركها ، وفي هذه الباء قولان أشهرهما أنها تتعلق بأعلم ، ولا يلزم من ذلك تخصيص علمه بما فيهما فقط ، والثاني أنها متعلقة بيعلم مقدرا ، قاله الفارسي محتجا بأنه يلزم من ذلك تخصيص علمه بما فيهما ، وهو وهم لأنه لا يلزم من ذكر الشيء نفي الحكم عما عداه .
وهذا هو الذي يقول الأصوليون أنه مفهوم اللقب ، ولم يقل به إلا أبو بكر الدقاق في طائفة قليلة والأصح خلافه ، فالجمهور على أن اللقب لا يحتج به ، قاله الكرخي وتمام هذا البحث في كتابنا حصول المأمول من علم الأصول فراجعه ، وهذه الآية أعم من قوله : { ربكم أعلم بكم } لأن هذا يشمل كل ما في السموات والأرض من مخلوقاته ، وذلك خاص ببني آدم أو ببعضهم .
وهذا كالتوطئة لقوله : { وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ } أي أن هذا التفضيل عن علم منه بمن هو أعلى رتبة وبمن هو دونه وبمن هو يستحق مزيد الخصوصية بتكثير فضائله وفواضله ، أي فيخصهم بما شاء على قدر أحوالهم ، قيل يعني بالفضائل النفسانية والتبري عن العلائق الجسمانية لا بكثرة الأموال والأتباع حتى داود عليه السلام فإن شرفه بما أوحي إليه من الكتاب كما يأتي لا بما أوتيه من الملك .
وقيل هو إشارة إلى تفضيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد تقدم هذا في البقرة ، وقد اتخذ الله إبراهيم خليلا وموسى كليما وجعل عيسى كلمته وروحه ؛ وجعل سليمان على نبينا وعليهم الصلوات والتسليمات ملكا عظيما ، وغفر لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ما تقدم من ذنبه وما تأخر وجعله سيد ولد آدم . وفي هذه الآية دفع لما كان ينكره الكفار مما يحكيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ارتفاع درجته عند ربه عز وجل .
ثم ذكر ما فضل به داود فقال : { وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا } أي كتابا مزبورا .
قال الزجاج : أي فلا تنكروا تفضيل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإعطاءه القرآن فقد أعطى الله داود زبورا ، وفيه دلالة على وجه تفضيله وأنه خاتم الأنبياء وأن أمته خير الأمم لأن ذلك مكتوب في الزبور . قال تعالى : { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون } وهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأمته وإنما خص كتاب داود بالذكر لأن اليهود زعمت أنه لا نبي بعد موسى ولا كتاب بعد التوراة فكذبهم الله بقوله هذا .
وتعريف الزبور تارة وتنكيره أخرى ، إما لأنه في الأصل فعول بمعنى المفعول أو مصدر بمعناه كالقبول ، وإما لأن المراد إيتاء داود زبورا من الزبر فيه ذكره صلى الله عليه وآله وسلم .
قال قتادة : كنا نتحدث أن الزبور دعاء علمه داود وتحميد وتمجيد لله عز وجل ليس فيه حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود ولا أحكام .
وعن الربيع بن أنس قال : الزبور على الله ودعاء وتسبيح .
قلت الأمر كما قاله قتادة والربيع ، فإنا وقفنا على الزبور فوجدناه خطبا يخطبها داود عليه السلام ويخاطب بها ربه عند دخوله الكنيسة وجملته مائة وخمسون خطبة كل خطبة تسمى مزمورا بفتح الميم الأولى وسكون الزاي وضم الميم الثانية وآخره راء ، ففي بعض هذه الخطب يشكو داود على ربه من أعدائه ويستنصره عليهم ، وفي بعضها يحمد الله ويمجده ويثني عليه بسبب ما وقع له من النصر عليهم والغلبة لهم وكان عند الخطبة يضرب بالقيثارة وهي آلة من آلات الملاهي .
وقد ذكر السيوطي في الدر المنثور ههنا روايات عن جماعة من السلف يذكرون ألفاظا وقفوا عليها في الزبور ليس لها كثير فائدة فقد أغنى عنها وعن غيرها ما اشتمل عليه القرآن من المواعظ والزواجر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.