قوله تعالى : { ثم أنزل الله } بعد الهزيمة ، " سكينته " ، يعني : الأمنة والطمأنينة ، وهي فعيلة من السكون على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها " ، يعني : الملائكة . قيل : لا للقتال ، ولكن لتجبين الكفار وتشجيع المسلمين ، لأنه يروى : أن الملائكة لم يقاتلوا إلا يوم بدر ،
قوله تعالى : { وعذب الذين كفروا } ، بالقتل والأسر وسبي العيال وسلب الأموال .
{ ثُمَّ أَنزلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ } أي : طمأنينته وثباته على رسوله ، ( وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) أي : الذين معه ، ( وَأَنزلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا ) وهم الملائكة ، كما قال الإمام أبو جعفر بن جرير :
[ حدثنا القاسم قال ]{[13338]} حدثني الحسن بن عرفة قال : حدثني المعتمر بن سليمان ، عن عوف - هو ابن أبي جميلة الأعرابي - قال : سمعت عبد الرحمن مولى ابن بُرْثُن ، حدثني رجل كان مع المشركين يوم حنين قال : لما التقينا نحن وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين{[13339]} لم يقوموا لنا حَلَب شاة - قال : فلما كشفناهم جعلنا نسوقهم في آثارهم ، حتى انتهينا إلى صاحب البغلة البيضاء ، فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال : فتلقانا عنده رجال بيض حسان الوجوه ، فقالوا لنا : شاهت الوجوه ، ارجعوا . قال : فانهزمنا ، وركبوا أكتافنا ، فكانت إياها .
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثني محمد بن أحمد بن بَالُويَه ، حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي{[13340]} حدثنا عفان بن مسلم ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا الحارث بن حَصِيرة ، حدثنا القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبيه قال : قال ابن مسعود ، رضي الله عنه : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حُنين ، فولى عنه الناس ، وبقيتُ معه في ثمانين رجلا من المهاجرين والأنصار ، قدمنا ولم نولهم الدبر ، وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة . قال : ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته يمضي قُدُما ، فحادَت بغلته ، فمال عن السرج ، فقلت : ارتفع رفعك الله . قال : " ناولني كفًا من التراب " . فناولته ، قال : فضرب به وجوههم ، فامتلأت أعينهم ترابًا ، قال : " أين المهاجرون{[13341]} والأنصار ؟ " قلت : هم هناك . قال : " اهتف بهم " . فهتفت بهم ، فجاءوا وسيوفهم بأيمانهم ، كأنها{[13342]} الشهب ، وولى المشركون أدبارهم .
ورواه الإمام أحمد في مسنده عن عفان ، به نحوه{[13343]}
وقال الوليد بن مسلم : حدثني عبد الله بن المبارك ، عن أبي بكر الهُذلي ، عن عِكْرِمة مولى ابن عباس ، عن شيبة بن عثمان قال : لما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قد عَرى ، ذكرت أبي وعمي وقتل علي وحمزة إياهما ، فقلت : اليوم أدرك ثأري منه - قال : فذهبت لأجيئه عن يمينه ، فإذا أنا بالعباس بن عبد المطلب قائمًا ، عليه درع بيضاء كأنها فضة ، يكشف عنها العجاج ، فقلت : عَمُّه ولن يخذله - قال : فجئته{[13344]} عن يساره ، فإذا أنا بأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، فقلت : ابن عمه ولن يخذله . فجئته من خلفه ، فلم يبق إلا أن أسَوّره سورة بالسيف ، إذ رفع لي شُوَاظ من نار بيني وبينه ، كأنه برق ، فخفت أن تَمْحَشَني ، فوضعت يدي على بصري ومشيت القهقري ، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " يا شيبَ ، يا شيب{[13345]} ادن مني{[13346]} اللهم أذهب عنه الشيطان " . قال : فرفعت إليه بصري ، ولهو أحب إلي من سمعي وبصري ، فقال : " يا شيب{[13347]}قاتل الكفار " .
رواه البيهقي من حديث الوليد ، فذكره{[13348]} ثم روى من حديث أيوب بن جابر ، عن صدقة بن سعيد ، عن مصعب بن شيبة عن أبيه قال : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ، والله ما أخرجني إسلام ولا معرفة به ، ولكني أبيت أن تظهر هوازن على قريش ، فقلت وأنا واقف معه : يا رسول الله ، إني أرى خيلا بُلقا ، فقال : " يا شيبة ، إنه لا يراها إلا كافر " . فضرب بيده في{[13349]} صدري ، ثم قال : " اللهم ، اهد شيبة " ، ثم ضربها الثانية ، ثم قال : " اللهم ، اهد شيبة " ، ثم ضربها الثالثة ثم قال : " اللهم اهد شيبة " . قال : فوالله ما رفع يده عن صدري في الثالثة حتى ما كان أحد من خلق الله أحب إليَّ منه ، وذكر تمام الحديث ، في التقاء الناس وانهزام المسلمين ونداء العباس واستنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى هزم الله المشركين{[13350]}
قال محمد بن إسحاق : حدثني والدي إسحاق بن يَسَار ، عمن حدثه ، عن جُبَير بن مطعم ، رضي الله عنه ، قال : إنا لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ، والناس يقتتلون ، إذ نظرت إلى مثل البِجَاد الأسود يهوي من السماء ، حتى وقع بيننا وبين القوم ، فإذا نمل منثور قد ملأ الوادي ، فلم يكن إلا هزيمة القوم ، فما كنا نشك أنها الملائكة .
وقال سعيد بن السائب بن يسار ، عن أبيه قال : سمعت يزيد بن عامر السُّوَائي - وكان شهد حنينا مع المشركين ثم أسلم بعد - فكنا نسأله عن الرعب الذي ألقى الله في قلوب المشركين يوم حنين ، فكان يأخذ الحصاة فيرمي بها في الطَّسْت{[13351]} فيطنّ ، فيقول{[13352]} كنا نجد في أجوافنا مثل هذا .
وقد تقدم له شاهد من حديث يزيد بن أبي أسيد{[13353]} فالله أعلم .
وفي صحيح مسلم ، عن محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق أنبأنا مَعْمَر ، عن هَمَّام قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نصرت بالرعب ، وأوتيت جوامع الكلم " {[13354]}
ولهذا قال تعالى : ( ثُمَّ أَنزلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ) {[13355]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.