الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{ثُمَّ أَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَا وَعَذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (26)

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله { وأنزل جنوداً لم تروها وعذب الذين كفروا } قال : قتلهم بالسيف .

وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : في يوم حنين أمد الله رسوله صلى الله عليه وسلم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين ، ويومئذ سمى الله تعالى الأنصار مؤمنين قال { ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين } .

وأخرج ابن إسحق وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال : رأيت قبل هزيمة القوم - والناس يقتتلون - مثل البجاد الأسود أقبل من السماء حتى سقط بين القوم ، فنظرت فإذا نمل أسود مبثوث قد ملأ الوادي ، لم أشك أنها الملائكة عليهم السلام ، ولم يكن إلا هزيمة القوم . . . !

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { وعذب الذين كفروا } قال : بالهزيمة .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن أبزى رضي الله عنه في قوله { وعذب الذين كفروا } قال : بالهزيمة والقتل . وفي قوله { ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء } قال : على الذين انهزموا عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين .

وأخرج ابن سعد والبخاري في التاريخ والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن عبد الله بن عياض بن الحرث عن أبيه . قال : إن رسول صلى الله عليه وسلم أتى هوازن في إثني عشر ألفاً ، فقتل من الطائف يوم حنين مثل قتلى يوم بدر ، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم كفا من حصباء فرمى بها وجوهنا فانهزمنا .

وأخرج أحمد ومسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : « غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنيناً ، فلما واجهنا العدو وتقدمت فأعلو ثنية ، فاستقبلني رجل من العدو فأرميته بسهم فتوارى عني فما دريت ما صنع ، فنظرت إلى القوم فإذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى ، فالتقوا هم وأصحاب والنبي صلى الله عليه وسلم وأنا متزر وأرجع منهزماً وعليَّ بردتان متزراً بأحدهما مرتدياً بالأخرى ، فاستطلق إزاري فجمعتهما جميعاً ومررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهزماً وهو على بغلته الشهباء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لقد رأى ابن الأكوع فزعاً ، فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة ، ثم قبض قبضة من تراب من الأرض ، ثم استقبل به وجوههم فقال : شاهت الوجوه . فما خلق الله منهم إنساناً إلا ملأ عينيه تراباً بتلك القبضة ، فولوا مدبرين ، فهزمهم الله تعالى ، وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين » .

وأخرج البخاري في التاريخ والبيهقي في الدلائل عن عمرو بن سفيان الثقفي رضي الله عنه قال « قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قبضة من الحصى فرمى بها في وجوهنا فانهزمنا ، فما خيل إلينا إلا أن كل حجر أو شجر فارس يطلبنا » .

وأخرج البخاري في التاريخ وابن مردويه والبيهقي عن يزيد بن عامر السوائي - وكان شهد حنيناً مع المشركين ثم أسلم - قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قبضة من الأرض فرمى بها في وجوه المشركين وقال : ارجعوا شاهت الوجوه ، فما أحد يلقاه أخوه إلا وهو يشكو قذى في عينيه ويمسح عينيه .

وأخرج مسدد في مسنده والبيهقي وابن عساكر عن عبد الرحمن مولى أم برثن قال : حدثني رجل كان من المشركين يوم حنين قال : لما التقينا نحن وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقوموا لنا حلب شاة إلا كفيناهم ، فبينا نحن نسوقهم في أدبارهم إذ التقينا إلى صاحب البغلة البيضاء فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتلقينا عنده رجال بيض حسان الوجوه قالوا لنا : شاهت الوجوه ارجعوا . فرجعنا وركبوا أكتافنا وكانت إياها .

وأخرج البيهقي من طريق ابن إسحق ، حدثنا أمية بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان ، أنه حدث أن مالك بن عوف رضي الله عنه بعث عيوناً فأتوه وقد تقطعت أوصالهم فقال : ويلكم ما شأنكم ؟ فقالوا : أتانا رجال بيض على خيل بلق ، فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى .

وأخرج ابن مردويه والبيهقي وابن عساكر عن مصعب بن شيبة بن عثمان الحجبي عن أبيه قال « خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين ، والله ما خرجت إسلاماً ولكن خرجت اتقاء أن تظهر هوازن على قريش ، فوالله إني لواقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قلت : يا نبي الله إني لأرى خيراً بلقاً . . . ! قال : يا شيبة إنه لا يراها إلا كافر . فضرب بيده عند صدري حتى ما أجد من خلق الله تعالى أحب إليَّ منه قال : فالتقى المسلمون فقتل من قتل ، ثم أقبل النبي وعمر رضي الله عنه آخذ باللجام ، والعباس آخذ بالغرز ، فنادى العباس رضي الله عنه : أين المهاجرون ، أين أصحاب سورة البقرة ؟ - بصوت عال - هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأقبل الناس والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :

أنا النبي غير كذب*** أنا ابن عبد المطلب

فأقبل المسلمون فاصطكّوا بالسيوف ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : الآن حمي الوطيس » .