السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ثُمَّ أَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَا وَعَذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (26)

{ ثم أنزل الله سكينته } أي : رحمته التي سكنوا إليها وأمنوا . { على رسوله وعلى المؤمنين } أي : على الذين انهزموا ، فردّوا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم لما ناداهم العباس بإذنه صلى الله عليه وسلم وقيل : هم الذين ثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وقع الحرب . { وأنزل جنوداً } أي : ملائكة { لم تروها } بأعينكم قال سعيد بن جبير : مد الله نبيه صلى الله عليه وسلم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين ، وقيل : ثمانية آلاف ، وقيل : ستة عشرة ألفاً .

وروي أنّ رجلاً من بني النضير قال : للمؤمنين بعد القتال : أين الخيل البلق ، والرجال الذين عليهم ثياب بيض ما كنا نراكم فيهم إلا كهيئة الشامة ، وما قتلنا إلا بأيديهم ، فأخبروا بذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : «تلك الملائكة » { وعذب الذين كفروا } بالقتل والأسر وسبي العيال وسلب المال . { وذلك جزاء الكافرين } أي : ما فعل بهم جزاء كفرهم في الدنيا .

روي أنه صلى الله عليه وسلم لما قسم ما أفاء الله عليه يوم حنين في الناس ، وفي المؤلفة قلوبهم ، لم يعط الأنصار شيئاً ، فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس ، فخطبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( يا معاشر الأنصار : ألم أجدكم ضلالاً ، فهداكم الله بي ، وكنتم متفرّقين فألفكم الله بي ، وعالة فأغناكم الله بي ) كلما قال شيئاً قالوا : الله ورسوله أنّ قال : ( ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله ، لو شئتم قلتم جئتنا كذا وكذا . أما ترضون أمن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون بالنبيّ إلى رحالكم ، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، لو سلك الناس وادياً وشعباً لسلكت وادي الأنصار وشعبهم ، الأنصار شعار ، والناس دثار ، إنكم ستلقون بعدي أثرة ، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ) وعن رافع بن خديج أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب ، وصفوان بن أمية ، وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس ، كل إنسان منهم مائة من الإبل ، وأعطي عباس بن مرداس دون ذلك فقال العباس بن مرداس :

أتجعل نهبي ونهب العبي *** د بين عيينة والأقرع

فما كان حصن ولا حابس *** يفوقان مرداس في مجمع

وما كنت دون امرئ منهما *** ومن يخفض اليوم لا يرفع

قال : فأتم رسول الله صلى الله عليه وسلم له مائة .