قوله تعالى : { فعسى ربي } فلعل ربي { أن يؤتين } يعطيني في الآخرة { خيراً من جنتك ويرسل عليها } أي على جنتك { حسباناً } ، قال قتادة : عذاباً . وقال ابن عباس رضي الله عنه : ناراً . وقال القتيبي : مرامي . { من السماء } ، وهي مثل صاعقة أو شيء يهلكها ، واحدتها : حسبانة ، { فتصبح صعيداً زلقاً } أي : أرضاً جرداء ملساء لا نبات فيها . وقيل : تزلق فيها الأقدام . وقال مجاهد : رملاً هائلاً .
ويرجو عند ربه ما هو خير من الجنة والثمار :
( فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِي خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِنْ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً )
وهكذا تنتفض عزة الإيمان في النفس المؤمنة ، فلا تبالي المال والنفر ، ولا تداري الغنى والبطر ، ولا تتلعثم في الحق ، ولا تجامل فيه الأصحاب . وهكذا يستشعر المؤمن أنه عزيز أمام الجاه والمال ، وأن ما عند الله خير من أعراض الحياة ، وأن فضل الله عظيم وهو يطمع في فضل الله . وأن نقمة الله جبارة وأنها وشيكة أن تصيب الغافلين المتبطرين .
القول في تأويل قوله تعالى : { فعسَىَ رَبّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مّن جَنّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مّنَ السّمَآءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً * أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً } .
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل المؤمن الموقن للمعاد إلى الله للكافر المرتاب في قيام الساعة : إن تَرَن أيها الرجل أنا أقلّ منك مالاً وولدا في الدنيا ، فعسى ربي أن يرزقني خيرا من بستانك هذا وَيُرْسِلَ عَلَيْها يعني على جنة الكافر التي قال لها : ما أظنّ أن تبيد هذه أبدا حُسْبانا مِنَ السّماءِ يقول : عذابا من السماء ترمي به رميا ، وتقذف . والحُسْبان : جمع حُسْبانة ، وهي المرامي . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة أوْ يُرْسِلَ عَلَيْها حُسْبانا مِنَ السّماءِ عذابا .
حُدثت عن محمد بن يزيد ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : عذابا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أوْ يُرْسِلَ عَلَيْها حُسْبانا مِنَ السّماءِ . قال : عذابا ، قال : الحُسبان : قضاء من الله يقضيه .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : الحُسبان : العذاب .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله حُسْبانا مِنَ السّماءِ قال : عذابا . وقوله : فَتُصْبِحَ صَعِيدا زَلَقا يقول عزّ ذكره : فتصبح جنتك هذه أيها الرجل أرضا ملساء لا شيء فيها ، قد ذهب كلّ ما فيها من غَرْس ونبت ، وعادت خرابا بلاقع ، زَلَقا ، لا يثبت في أرضها قدم لا ملساسها ، ودروس ما كان نابتا فيها .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَتُصْبِحَ صَعِيدا زَلَقا : أي قد حُصِد ما فيها فلم يُترك فيها شيء .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : فَتُصْبِحَ صَعِيدا زَلَقا قال : مثل الجُرز .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال ابن زيد ، في قوله : فَتُصْبِحَ صَعِيدا زَلَقا قال : صعيدا زلقا وصعيدا جُرزا واحد ليس فيها شيء من النبات .
{ فعسى ربي أن يُؤتينِ خيرا من جنّتك } في الدنيا أو في الآخرة لإيماني وهو جواب الشرط . { ويُرسل عليها } على جنتك لكفرك . { حسبانا من السماء } مرامي جمع حسبانة وهي الصواعق . وقيل هو مصدر بمعنى الحساب المراد به التقدير بتخريبها أو عذاب حساب الأعمال السيئة . { فُتصبح صعيدا زَلقاً } أرضا ملساء يزلق عليها باستئصال نباتها وأشجارها .
( أنا ) ضمير فصل ، فلذلك كان أقل } منصوباً على أنه مفعول ثاننٍ ل { ترن } ولا اعتداد بالضمير .
و ( عسى ) للرجاء ، وهو طلب الأمر القريب الحصول . ولعله أراد به الدعاء لنفسه وعلى صاحبه .
والحسبان : مصدر حسب كالغفران . وهو هنا صفة لموصوف محذوف ، أي هلاكاً حسباناً ، أي مقدراً من الله ، كقوله تعالى : { عطاء حساباً } [ النبأ : 36 ] . وقيل : الحسبان اسم جمع لسهام قصار يرمى بها في طلق واحد وليس له مفرد . وقيل : اسم جمع حُسبانة وهي الصاعقة . وقيل : اسم للجراد . والمعاني الأربعة صالحة هنا ، والسماء : الجو المرتفع فوق الأرض .
والصعيد : وجه الأرض . وتقدم عند قوله تعالى : { فتيمموا صعيداً طيباً } [ المائدة : 6 ] . وفسروه هنا بذلك فيكون ذكره هنا توطئة لإجراء الصفة عليه وهي { زلقاً } .
وفي « اللسان » عن الليث « يقال للحَديقة ، إذا خربت وذهب شجراؤها : قد صارت صعيداً ، أي أرضاً مستوية لا شجر فيها »ا هـ . وهذا إذا صح أحسن هنا ، ويكون وصفه ب { زلقاً } مبالغة في انعدام النفع به بالمرة . لكني أظن أن الليث ابتكر هذا المعنى من هذه الآية وهو تفسير معنى الكلام وليس تبييناً لمدلول لفظ صعيد . ونظيره قوله : { وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزاً } [ الكهف : 8 ] في أول هذه السورة .
والزلق : مصدر زلقت الرجل ، إذا اضطربت وزلت على الأرض فلم تستقر . ووصف الأرض بذلك مبالغة ، أي ذات زلق ، أي هي مزْلِقَة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.