معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يسٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة يس مكية وآياتها ثلاث وثمانون .

قوله تعالى : { يس } وإن قرأ بإخفاء النون فيهما : ابن عامر ، و الكسائي ، و أبو بكر وورش . بخلف عنه ، في نون والقلم ، والباقون يظهرون فيهما . واختلفوا في تأويل { يس } حسب اختلافهم في حروف التهجي ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : قسم ، ويروى عنه أن معناه : يا إنسان ، بلغة طيء ، يعني : محمداً صلى الله عليه وسلم ، وهو قول الحسن ، و سعيد بن جبير ، وجماعة . وقال أبو العالية : يا رجل . وقال أبو بكر الوراق : يا سيد البشر .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يسٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة يس مكية وآياتها ثلاث وثمانون

هذه السورة المكية ذات فواصل قصيرة . وإيقاعات سريعة . ومن ثم جاء عدد آياتها ثلاثاً وثمانين ، بينما هي أصغر وأقصر من سابقتها - سورة فاطر - وعدد آياتها خمس وأربعون .

وقصر الفواصل مع سرعة الإيقاع يطبع السورة بطابع خاص ، فتتلاحق إيقاعاتها ، وتدق على الحس دقات متوالية ، يعمل على مضاعفة أثرها ما تحمله معها من الصور والظلال التي تخلعها المشاهد المتتابعة من بدء السورة إلى نهايتها . وهي متنوعة وموحية وعميقة الآثار .

والموضوعات الرئيسية للسورة هي موضوعات السور المكية . وهدفها الأول هو بناء أسس العقيدة . فهي تتعرض لطبيعة الوحي وصدق الرسالة منذ افتتاحها : ( يس . والقرآن الحكيم . إنك لمن المرسلين . على صراط مستقيم . تنزيل العزيز الرحيم . . . ) . وتسوق قصة أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون ، لتحذر من عاقبة التكذيب بالوحي والرسالة ؛ وتعرض هذه العاقبة في القصة على طريقة القرآن في استخدام القصص لتدعيم قضاياه . وقرب نهاية السورة تعود إلى الموضوع ذاته : ( وما علمناه الشعر - وما ينبغي له - إن هو إلا ذكر وقرآن مبين لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين ) . .

كذلك تتعرض السورة لقضية الألوهية والوحدانية . فيجيء استنكار الشرك على لسان الرجل المؤمن الذي جاء من أقصى المدينة ليحاج قومه في شأن المرسلين وهو يقول : وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون ? أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون ? إني إذاً لفي ضلال مبين . . وقرب ختام السورة يجيء ذكر هذا الموضوع مرة أخرى : ( واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون . لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون ) . .

والقضية التي يشتد عليها التركيز في السورة هي قضية البعث والنشور ، وهي تتردد في مواضع كثيرة في السورة . تجيء في أولها : ( إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ) . . وتأتي في قصة أصحاب القرية ، فيما وقع للرجل المؤمن . وقد كان جزاؤها العاجل في السياق : ( قيل : ادخل الجنة . قال : يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ) . . ثم ترد في وسط السورة : ( ويقولون : متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ? ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون ) . . ثم يستطرد السياق إلى مشهد كامل من مشاهد القيامة . وفي نهاية السورة ترد هذه القضية في صورة حوار ( وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه . قال : من يحيي العظام وهي رميم ? قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم . .

هذه القضايا المتعلقة ببناء العقيدة من أساسها ، تتكرر في السور المكية . ولكنها تعرض في كل مرة من زاوية معينة ، تحت ضوء معين ، مصحوبة بمؤثرات تناسب جوها ، وتتناسق مع إيقاعها وصورها وظلالها .

هذه المؤثرات منتزعة في هذه السورة من مشاهد القيامة - بصفة خاصة - ومن مشاهد القصة ومواقفها وحوارها . ومن مصارع الغابرين على مدار القرون . ثم من المشاهد الكونية الكثيرة المتنوعة الموحية : مشهد الأرض الميتة تدب فيها الحياة . ومشهد الليل يسلخ منه النهار فإذا هو ظلام . ومشهد الشمس تجري لمستقر لها . ومشهد القمر يتدرج في منازله حتى يعود كالعرجون القديم . ومشهد الفلك المشحون يحمل ذرية البشر الأولين . ومشهد الأنعام مسخّرة للآدميين . ومشهد النطفة ثم مشهدها إنساناً وهو خصيم مبين ! ومشهد الشجر الأخضر تكمن فيه النار التي يوقدون !

وإلى جوار هذه المشاهد مؤثرات أخرى تلمس الوجدان الإنساني وتوقظه : منها صورة المكذبين الذين حقت عليهم كلمة الله بكفرهم فلم تعد تنفعهم الآيات والنذر : ( إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً فهي إلى الأذقان فهم مقمحون ؛ وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون ) . ومنها صورة نفوسهم في سرهم وفي علانيتهم مكشوفة لعلم الله لا يداريها منه ستار . . ومنها تصوير وسيلة الخلق بكلمة لا تزيد : ( إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له : كن . فيكون ) . . وكلها مؤثرات تلمس القلب البشري وهو يرى مصداقها في واقع الوجود .

ويجري سياق السورة في عرض موضوعاتها في ثلاثة أشواط :

يبدأ الشوط الأول بالقسم بالحرفين : يا . سين وبالقرآن الحكيم ، على رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه على صراط مستقيم . يتلو ذلك الكشف عن النهاية البائسة للغافلين الذين يكذبون . وهي حكم الله عليهم بألا يجدوا إلى الهداية سبيلاً ، وأن يحال بينهم وبينها أبداً . وبيان أن الإنذار إنما ينفع من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب ؛ فاستعد قلبه لاستقبال دلائل الهدى وموحيات الإيمان . . ثم يوجه رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إلى أن يضرب لهم مثلاً أصحاب القرية ، فيقص قصة التكذيب وعاقبة المكذبين . كما يعرض طبيعة الإيمان في قلب الرجل المؤمن وعاقبة الإيمان والتصديق . .

ومن ثم يبدأ الشوط الثاني بنداء الحسرة على العباد الذين ما يفتأون يكذبون كل رسول ويستهزئون به . غير معتبرين بمصارع المكذبين ، ولا متيقظين لآيات الله في الكون وهي كثير . . وهنا يعرض تلك المشاهد الكونية التي سبقت الإشارة إليها في تقديم السورة ، كما يعرض مشهداً مطولاً من مشاهد القيامة فيه الكثير من التفصيل .

والشوط الثالث يكاد يلخص موضوعات السورة كلها . فينفي في أوله أن ما جاء به محمد [ صلى الله عليه وسلم ] شعر ، وينفي عن الرسول كل علاقة بالشعر أصلاً . ثم يعرض بعض المشاهد واللمسات الدالة على الألوهية المتفردة ، وينعى عليهم اتخاذ آلهة من دون الله يبتغون عندهم النصر وهم الذين يقومون بحماية تلك الآلهة المدعاة ! . ويتناول قضية البعث والنشور فيذكرهم بالنشأة الأولى من نطفة ليروا أن إحياء العظام وهي رميم كتلك النشأة ولا غرابة ! ويذكرهم بالشجر الأخضر الذي تكمن فيه النار وهما في الظاهر بعيد من بعيد ! وبخلق السماوات والأرض وهو شاهد بالقدرة على خلق أمثالهم من البشر في الأولى والآخرة . . وأخيراً يجيء الإيقاع الأخير في السورة : ( إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له : كن . فيكون . فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون ) .

والآن نأخذ بعد هذا العرض المجمل في التفصيل . .

( يس . والقرآن الحكيم . إنك لمن المرسلين . على صراط مستقيم . تنزيل العزيز الرحيم . لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم فهم غافلون . لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون . إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً فهي إلى الأذقان فهم مقمحون . وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون . وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون . إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم . إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين . . )

يقسم الله سبحانه بهذين الحرفين : يا . سين كما يقسم بالقرآن الحكيم . وهذا الجمع بين الأحرف المقطعة والقرآن يرجح الوجه الذي اخترناه في تفسير هذه الأحرف في أوائل السور ؛ والعلاقة بين ذكرها وذكر القرآن . وأن آية كونه من عند الله ، الآية التي لا يتدبرونها فيردهم القرآن إليها ، أنه مصوغ من جنس هذه الأحرف الميسرة لهم ؛ ولكن نسقه التفكيري والتعبيري فوق ما يملكون صياغته من هذه الحروف .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يسٓ} (1)

بسم الله الرحمَن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : { يسَ * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ } .

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : يس ، فقال بعضهم : هو قسم أقسم الله به ، وهو من أسماء الله . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : يس قال : فإنه قسم أقسمه الله ، وهو من أسماء الله .

وقال آخرون : معناه : يا رجل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا أبو تُمَيلة ، قال : حدثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله يس قال : يا إنسان ، بالحبشية .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن شرقيّ ، قال : سمعت عكرمة يقول : تفسير يس : يا إنسان .

وقال آخرون : هو مفتاح كلام افتتح الله به كلامه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : يس مفتاح كلام ، افتتح الله به كلامه .

وقال آخرون : بل هو اسم من أسماء القرآن . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يس قال : كلّ هجاء في القرآن اسم من أسماء القرآن .

قال أبو جعفر : وقد بيّنا القول فيما مضى في نظائر ذلك من حروف الهجاء بما أغنى عن إعادته وتكريره في هذا الموضع .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يسٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة يس مكية وعنه عليه الصلاة والسلام " يس تدعى المعمة تعم صاحبها خير الدارين والدافعة والقاضية تدفع عنه كل سوء وتقضي له كل حاجة " وآيها ثلاث وثمانون .

بسم الله الرحمن الرحيم { يس } في المعنى والإعراب ، وقيل معناه يا إنسان بلغة طيئ على أنه أصله يا أنيسين فاقتصر على شطره لكثرة النداء به كما قيل ( من الله ) في أيمن . وقرئ بالكسر كجير وبالفتح على البناء كأين ، أو الإعراب على تل يس أو بإضمار حرف القسم والفتحة لمنع الصرف وبالضم بناء كحيث ، أو إعرابا على هذه { يس } وأمال الياء حمزة والكسائي وروح وأبو بكر وأدغم النون في واو .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يسٓ} (1)

مقدمة السورة:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق

سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

( 36 )سورة يس مكية

وآيتها ثلاث وثمانون

هذه السورة مكية بإجماع إلا أن فرقة قالت إن قوله ' ونكتب ما قدموا وآثارهم ' [ يس : 12 ] نزلت في بني سلمة من الأنصار حين أرادوا أن يتركوا ديارهم وينتقلوا إلى جوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم ( دياركم تكتب آثاركم ) وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعروا المدينة{[1]} ، وعلى هذا فالآية مدنية وليس الأمر كذلك وإنما نزلت الآية بمكة ولكنه احتج بها عليهم في المدينة ووافقها قول النبي صلى الله عليه وسلم في المعنى فمن هنا قيل ذلك{[2]} ، وروى أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن لكل شيء قلبا وإن قلب القرآن يس{[3]} وروت عائشة رضي الله عنها أنه عليه السلام قال إن في القرآن سورة يشفع قارئها ويغفر لمستمعها وهي يس{[4]} وقال يحيى بن أبي كثير " من قرأ سورة يس ليلا لم يزل في فرح حتى يصبح ، وكذا في النهار " {[5]} ويصدق ذلك التجربة . .

بسم الله الرحمن الرحيم

أمال حمزة والكسائي الياء في { يس } غير مفرطين والجمهور يفتحونها ونافع وسط في ذلك ، وقوله تعالى : { يس } يدخل فيه من الأقوال ما تقدم في الحروف المقطعة في أوائل السور ، ويختص هذا بأقوال ، منها أن سعيد بن جبير قال : إنه اسم من أسماء محمد صلى الله عليه وسلم دليله { إنك لمن المرسلين } وقال السيد الحميري{[9763]} :

يا نفس لا تمحضي بالنصح جاهدة . . . على المودة إلا آل ياسينا{[9764]}

وقال ابن عباس : معناه يا إنسان بلسان الحبشة ، وقال أيضاً ابن عباس في كتاب الثعلبي : هو بلغة طيِّىء وذلك أنهم يقولون يا إيسان بمعنى إنسان ويجمعونه على أياسين فهذا منه ، وقالت فرقة : «يا » حرف نداء ، والسين مقامة مقام الإنسان انتزع منه حرف فأقيم مقامه ، ومن قال إنه اسم من أسماء السورة أو من أسماء القرآن فذلك من الأقوال المشتركة في أوائل جميع السور ، وقرأ جمهور القراء { يس } و { نون } [ القلم : 1 ] بسكون النون وإظهارها وإن كانت النون ساكنة تخفى مع الحروف فإنما هذا مع الانفصال ، وإن حق هذه الحروف المقطعة في الأوائل أن تظهر ، وقرأ عاصم وابن عامر بخلاف عنهما { يس والقرآن } بإدغام النون في الواو على عرف الاتصال ، وقرأ ابن أبي إسحاق بخلاف بنصب النون ، وهي قراءة عيسى بن عمرو رواها عن الغنوي ، وقال قتادة : { يس } قسم ، قال أبو حاتم : قياس هذا القول نصب النون كما تقول الله لأفعلن كذا ، وقرأ الكلبي بضمها وقال هي بلغة طيىء «يا إنسان » ، وقرأ أبو السمال وابن أبي إسحاق{[9765]} –بخلاف- بكسرها وهذه الوجوه الثلاثة هي للالتقاء ، وقال أبو الفتح ويحتمل الرفع أن يكون اجتزاء بالسين من «يا إنسان »{[9766]} ، وقال الزجاج النصب كأنه قال اتل يس وهو مذهب سيبويه على أنه اسم للسورة ، و { يس } مشبهة الجملة من الكلام فلذلك عدت آية بخلاف { طس }{[9767]} [ النحل : 14 ] ولم ينصرف { يس } للعجمة والتعريف ، و { الحكيم } المحكم ، فيكون فعيل بمعنى مفعل أي أحكم في مواعظه وأوامره ونواهيه ، ويحتمل أن يكون { الحكيم } بناء فاعل أي ذو الحكمة .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.
[3]:- أخرجه الإمام مالك في الموطأ المشهور بلفظ: (السبع المثاني القرآن العظيم الذي أعطيته) والترمذي وغيرهما، وخرج ذلك أيضا الإمام البخاري وغيره، عن أبي سعيد ابن المعلى في أول كتاب التفسير، وفي أول كتاب الفضائل بلفظ: (السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته). والسبع الطوال هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، فقوله: والسبع الطوال إلخ. رد على من يقول: إنما السبع المثاني.
[4]:- هو أبو هاشم المكي الليثي، وردت الرواية عنه في حروف القرآن، يروي عن أبيه ابن عمر.
[5]:- من الآية رقم (7) من سورة آل عمران.
[9763]:هو إسماعيل بن محمد بن يزيد بن مفرغ الحميري، شاعر إمامي متقدم. قال أبو عبيدة: أشعر المحدثين السيد الحميري وبشار، ولكن أخمل ذكر الحميري وصرف الناس عن رواية شعره لإفراطه في النيل من بعض الصحابة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ولد في (نعمان) وهو واد قريب من الفرات على أرض الشام، ونشأ بالبصرة، ومات ببغداد، وكان يشار إليه في التصوف والورع، وقد أجمع الكثير من أخباره المستشرق الفرنسي(باربيي دي مينار)، ولأبي بكر الصولي كتاب(أخبار السيد الحميري)، وكتب عنه كثيرون غيرهما كابن الحاشر، وابن أبان والجلودي.(الأغاني، وضوء المشكاة، والأعلام).
[9764]:ويروى:"لا تمحضي بالنصح جاهدة"، ومحض فلانا النصح أو الود: أخلصه إياه، وأمحضه النصح أيضا مثل محضه، والمحض من كل شيء: الخالص، وفي حديث الوسوسة:(ذلك محض الإيمان). وآل ياسين هم آل محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الشاهد في البيت.
[9765]:في بعض النسخ: "وقرأ أبو السماك، وابن أبي إسحاق".
[9766]:معنى أن الوجوه الثلاثة للالتقاء، أنها حركت لالتقاء الساكنين، وذلك أن الكلام مبني على الإدراج، لا على وقف حروف المعجم، فحرك لذلك، فمن فتح هرب إلى خفة الفتحة، ومن كسر جاء على الأصل في الحركة عند التقاء الساكنين، ومن ضم احتمل أن يكون لالتقاء الساكنين أيضا، واحتمل أن يكون اجتزاء بالسين، قال أبو الفتح:"أراد يا إنسان، إلا أنه اكتفى من جميع الاسم بالسين، فقال: ياسين، فـ(يا) فيه-على هذا- حرف نداء، كقولك: يا رجل، ونظير حذف بعض الاسم قول النبي صلى الله عليه وسلم(كفى بالسيف شا)، أي: شاهدا، فحذف العين واللام، وكذلك حذف من (إنسان) الفاء والعين"، وهناك احتمال ثالث في حالة الرفع، قال عنه أبو الفتح:"أن يكون على ما ذهب إليه الكلبي، وروينا فيه عن قطرب: فياليتني من بعد ما طاف أهلها هلكت ولم أسمع بها صوت إيسان ومعناه: صوت إنسان". وكذلك أن(الإيسان)لغة في الإنسان، وهي لغة طائية، هذا والبيت لعامر بن جرير، وهو في اللسان(أنس).
[9767]:من الآية(1) من سورة (النمل).
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يسٓ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

سورة يس مكية.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

مكية في قول الجميع، إلا ابن عباس وقتادة فإنهما قالا إلا آية منها وهي قوله: {وإذا قيل لهم أنفقوا} الآية...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

السورة مكية بإجماع، إلا أن فرقة قالت إن قوله "ونكتب ما قدموا وآثارهم "[يس: 12] نزلت في بني سلمة من الأنصار حين أرادوا أن يتركوا ديارهم وينتقلوا إلى جوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم (دياركم تكتب آثاركم) وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعروا المدينة، وعلى هذا فالآية مدنية وليس الأمر كذلك؛ وإنما نزلت الآية بمكة، ولكنه احتج بها عليهم في المدينة، ووافقها قول النبي صلى الله عليه وسلم في المعنى فمن هنا قيل ذلك.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

هذه السورة المكية ذات فواصل قصيرة. وإيقاعات سريعة. ومن ثم جاء عدد آياتها ثلاثاً وثمانين، بينما هي أصغر وأقصر من سابقتها -سورة فاطر- وعدد آياتها خمس وأربعون.

وقصر الفواصل مع سرعة الإيقاع يطبع السورة بطابع خاص، فتتلاحق إيقاعاتها، وتدق على الحس دقات متوالية، يعمل على مضاعفة أثرها ما تحمله معها من الصور والظلال التي تخلعها المشاهد المتتابعة من بدء السورة إلى نهايتها. وهي متنوعة وموحية وعميقة الآثار.

والموضوعات الرئيسية للسورة هي موضوعات السور المكية. وهدفها الأول هو بناء أسس العقيدة. فهي تتعرض لطبيعة الوحي وصدق الرسالة منذ افتتاحها: (يس. والقرآن الحكيم. إنك لمن المرسلين. على صراط مستقيم. تنزيل العزيز الرحيم...). وتسوق قصة أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون، لتحذر من عاقبة التكذيب بالوحي والرسالة؛ وتعرض هذه العاقبة في القصة على طريقة القرآن في استخدام القصص لتدعيم قضاياه. وقرب نهاية السورة تعود إلى الموضوع ذاته: (وما علمناه الشعر -وما ينبغي له- إن هو إلا ذكر وقرآن مبين لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين)..

كذلك تتعرض السورة لقضية الألوهية والوحدانية. فيجيء استنكار الشرك على لسان الرجل المؤمن الذي جاء من أقصى المدينة ليحاج قومه في شأن المرسلين وهو يقول: وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون؟ أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون؟ إني إذاً لفي ضلال مبين.. وقرب ختام السورة يجيء ذكر هذا الموضوع مرة أخرى: (واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون. لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون)..

والقضية التي يشتد عليها التركيز في السورة هي قضية البعث والنشور، وهي تتردد في مواضع كثيرة في السورة. تجيء في أولها: (إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين).. وتأتي في قصة أصحاب القرية، فيما وقع للرجل المؤمن. وقد كان جزاؤها العاجل في السياق: (قيل: ادخل الجنة. قال: يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين).. ثم ترد في وسط السورة: (ويقولون: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين؟ ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون).. ثم يستطرد السياق إلى مشهد كامل من مشاهد القيامة. وفي نهاية السورة ترد هذه القضية في صورة حوار (وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه. قال: من يحيي العظام وهي رميم؟ قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم..

هذه القضايا المتعلقة ببناء العقيدة من أساسها، تتكرر في السور المكية. ولكنها تعرض في كل مرة من زاوية معينة، تحت ضوء معين، مصحوبة بمؤثرات تناسب جوها، وتتناسق مع إيقاعها وصورها وظلالها.

هذه المؤثرات منتزعة في هذه السورة من مشاهد القيامة -بصفة خاصة- ومن مشاهد القصة ومواقفها وحوارها. ومن مصارع الغابرين على مدار القرون. ثم من المشاهد الكونية الكثيرة المتنوعة الموحية: مشهد الأرض الميتة تدب فيها الحياة. ومشهد الليل يسلخ منه النهار فإذا هو ظلام. ومشهد الشمس تجري لمستقر لها. ومشهد القمر يتدرج في منازله حتى يعود كالعرجون القديم. ومشهد الفلك المشحون يحمل ذرية البشر الأولين. ومشهد الأنعام مسخّرة للآدميين. ومشهد النطفة ثم مشهدها إنساناً وهو خصيم مبين! ومشهد الشجر الأخضر تكمن فيه النار التي يوقدون!

وإلى جوار هذه المشاهد مؤثرات أخرى تلمس الوجدان الإنساني وتوقظه: منها صورة المكذبين الذين حقت عليهم كلمة الله بكفرهم فلم تعد تنفعهم الآيات والنذر: (إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً فهي إلى الأذقان فهم مقمحون؛ وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون). ومنها صورة نفوسهم في سرهم وفي علانيتهم مكشوفة لعلم الله لا يداريها منه ستار.. ومنها تصوير وسيلة الخلق بكلمة لا تزيد: (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له: كن. فيكون).. وكلها مؤثرات تلمس القلب البشري وهو يرى مصداقها في واقع الوجود.

ويجري سياق السورة في عرض موضوعاتها في ثلاثة أشواط:

يبدأ الشوط الأول بالقسم بالحرفين: يا. سين وبالقرآن الحكيم، على رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه على صراط مستقيم. يتلو ذلك الكشف عن النهاية البائسة للغافلين الذين يكذبون. وهي حكم الله عليهم بألا يجدوا إلى الهداية سبيلاً، وأن يحال بينهم وبينها أبداً. وبيان أن الإنذار إنما ينفع من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب؛ فاستعد قلبه لاستقبال دلائل الهدى وموحيات الإيمان.. ثم يوجه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إلى أن يضرب لهم مثلاً أصحاب القرية، فيقص قصة التكذيب وعاقبة المكذبين. كما يعرض طبيعة الإيمان في قلب الرجل المؤمن وعاقبة الإيمان والتصديق..

ومن ثم يبدأ الشوط الثاني بنداء الحسرة على العباد الذين ما يفتأون يكذبون كل رسول ويستهزئون به. غير معتبرين بمصارع المكذبين، ولا متيقظين لآيات الله في الكون وهي كثير.. وهنا يعرض تلك المشاهد الكونية التي سبقت الإشارة إليها في تقديم السورة، كما يعرض مشهداً مطولاً من مشاهد القيامة فيه الكثير من التفصيل.

والشوط الثالث يكاد يلخص موضوعات السورة كلها. فينفي في أوله أن ما جاء به محمد [صلى الله عليه وسلم] شعر، وينفي عن الرسول كل علاقة بالشعر أصلاً. ثم يعرض بعض المشاهد واللمسات الدالة على الألوهية المتفردة، وينعى عليهم اتخاذ آلهة من دون الله يبتغون عندهم النصر وهم الذين يقومون بحماية تلك الآلهة المدعاة!. ويتناول قضية البعث والنشور فيذكرهم بالنشأة الأولى من نطفة ليروا أن إحياء العظام وهي رميم كتلك النشأة ولا غرابة! ويذكرهم بالشجر الأخضر الذي تكمن فيه النار وهما في الظاهر بعيد من بعيد! وبخلق السماوات والأرض وهو شاهد بالقدرة على خلق أمثالهم من البشر في الأولى والآخرة.. وأخيراً يجيء الإيقاع الأخير في السورة: (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له: كن. فيكون. فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون).

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

سميت هذه السورة يس بمسمى الحرفين الواقعين في أولها في رسم المصحف لأنها انفردت بها فكانا مميزين لها عن بقية السور، فصار منطوقهما علما عليها. وكذلك ورد اسمها عن النبي صلى الله عليه وسلم.

روى أبو داود عن معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأوا يس على موتاكم. وبهذا الاسم عنون البخاري والترمذي في كتابي التفسير.

أغراض هذه السورة:

التحدي بإعجاز القرآن بالحروف المقطعة، وبالقسم بالقرآن تنويها به، وأدمج وصفه بالحكيم إشارة إلى بلوغه أعلى درجات الإحكام. والمقصود من ذلك تحقيق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وتفضيل الدين الذي جاء به في كتاب منزل من الله لإبلاغ الأمة الغاية السامية وهي استقامة أمورها في الدنيا والفوز في الحياة الأبدية، فلذلك وصف الدين بالصراط المستقيم كما تقدم في سورة الفاتحة.

وأن القرآن داع لإنقاذ العرب الذين لم يسبق مجيء رسول إليهم، لأن عدم سبق الإرسال إليهم لنفوسهم لقبول الدين إذ ليس فيها شاغل سبق يعز عليهم فراقه أو يكتفون بما فيه من هدى.

ووصف إعراض أكثرهم عن تلقي الإسلام، وتمثيل حالهم الشنيعة، وحرمانهم من الانتفاع بهدي الإسلام وأن الذين اتبعوا دين الإسلام هم أهل الخشية وهو الدين الموصوف بالصراط المستقيم.

وضرب المثل لفريقي المتبعين والمعرضين من أهل القرى بما سبق من حال أهل القرية الذين شابه تكذيبهم الرسل تكذيب قريش.

وكيف كان جزاء المعرضين من أهلها في الدنيا وجزاء المتبعين في درجات الآخرة.

ثم ضرب المثل بالأعم وهم القرون الذين كذبوا فأهلكوا.

والرثاء لحال الناس في إضاعة أسباب الفوز كيف يسرعون إلى تكذيب الرسل.

وتخلص إلى الاستدلال على تقريب البعث وإثباته بالاستقلال تارة وبالاستطراد أخرى.

مدمجا في آياته الامتنان بالنعمة التي تتضمنها تلك الآيات.

ورامزا إلى دلالة تلك الآيات والنعم على تفرد خالقها ومنعمها بالوحدانية إيقاظا لهم.

ثم تذكيرهم بأعظم حادثة حدثت على المكذبين للرسل والمتمسكين بالأصنام من الذين أرسل إليهم نوح نذيرا، فهلك من كذب، ونجا من آمن.

ثم سيقت دلائل التوحيد المشوبة بالامتنان للتذكير بواجب الشكر على النعم بالتقوى والإحسان وترقب الجزاء.

والإقلاع عن الشرك والاستهزاء بالرسول واستعجال وعيد العذاب.

وحذروا من حلوله بغتة حين يفوت التدارك.

وذكروا بما عهد الله إليهم مما أودعه في الفطرة من الفطنة.

والاستدلال على عداوة الشيطان للإنسان.

واتباع دعاة الخير.

ثم رد العجز على الصدر فعاد إلى تنزيه القرآن عن أن يكون مفترى صادرا من شاعر بتخيلات الشعراء.

وسلى الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا يحزنه قولهم وأن لهم بالله أسوة إذ خلقهم فعطلوا قدرته عن إيجادهم مرة ثانية ولكنهم راجعون إليه.

فقامت السورة على تقرير أمهات أصول الدين على أبلغ وجه وأتمه من إثبات الرسالة، ومعجزة القرآن، وما يعتبر في صفات الأنبياء وإثبات القدر، وعلم الله، الحشر، والتوحيد، وشكر المنعم، وهذه أصول الطاعة بالاعتقاد والعمل، ومنها تتفرع الشريعة. وإثبات الجزاء على الخير والشر مع إدماج الأدلة من الآفاق والأنفس بتفنن عجيب، فكانت هذه السورة جديرة بأن تسمى « قلب القرآن» لأن من تقاسيمها تتشعب شرايين القرآن كله، وإلى وتينها ينصب مجراها.

قال الغزالي: إن ذلك لأن الإيمان صحته باعتراف بالحشر، والحشر مقرر في هذه السورة بأبلغ وجه، كما سميت الفاتحة أم القرآن إذ كانت جامعة لأصول التدبر في أفانيه كما تكون أم الرأس ملاك التدبر في أمور الجسد.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

محتوى السورة:

هذه السورة من السور المكّية، لذا فهي من حيث النظرة الإجمالية لها نفس المحتوى العام للسور المكّية، فهي تتحدّث عن التوحيد والمعاد والوحي والقرآن والإنذار والبشارة، ويلاحظ في هذه السورة أربعة أقسام رئيسيّة:

تتحدّث السورة أوّلا عن رسالة النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) والقرآن المجيد والهدف من نزول ذلك الكتاب السماوي العظيم وعن المؤمنين به، وتستمر بذلك حتّى آخر الآية الحادية عشرة.

قسم آخر من هذه السورة يتحدّث عن رسالة ثلاثة من أنبياء الله، وكيف كانت دعوتهم للتوحيد، وجهادهم المتواصل المرير ضدّ الشرك، وهذا في الحقيقة نوع من التسلية والمواساة لرسول الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) وتوضيح الطريق أمامه لتبليغ رسالته الكبرى.

قسم آخر منها، والذي يبدأ من الآية 33 وحتّى الآية 44، مملوء بالنكات التوحيدية الملفتة للنظر، وهو عرض معبّر عن الآيات والدلائل المشيرة إلى عظمة الله في عالم الوجود، كذلك فإنّ أواخر السورة أيضاً تعود إلى نفس هذا البحث التوحيدي والآيات الإلهية.

قسم مهمّ آخر من هذه السورة، يتحدّث حول المواضيع المرتبطة بالمعاد والأدلّة المختلفة عليه، وكيفية الحشر والنشر، والسؤال والجواب في يوم القيامة، ونهاية الدنيا، ثمّ الجنّة والنار، وهذا القسم يتضمّن مطالب مهمّة ودقيقة جدّاً.

وخلال هذه البحوث الأربعة ترد آيات محرّكة ومحفّزة لأجل تنبيه وإنذار الغافلين والجهّال، لها الأثر القوي في القلوب والنفوس.

الخلاصة، أنّ الإنسان يواجه في هذه السورة بمشاهد مختلفة من الخلق والقيامة، الحياة والموت، الإنذار والبشارة، بحيث تشكّل بمجموعها نسخة الشفاء ومجموعة موقظة من الغفلة.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله:"يس"؛ فقال بعضهم: هو قسم أقسم الله به، وهو من أسماء الله.

وقال آخرون: معناه: يا رجل...

وقال آخرون: هو مفتاح كلام افتتح الله به كلامه...

وقال آخرون: بل هو اسم من أسماء القرآن...

وقد بيّنا القول فيما مضى في نظائر ذلك من حروف الهجاء بما أغنى عن إعادته وتكريره في هذا الموضع.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

عن معاذ بن جبل وكعب رضي الله عنهما أنهما قالا: {يس} قسم، أقسم الله به، يا محمد.

دل أن الخطاب به على إثر قوله: {يس} على أنه هو المراد بقوله: {يس} إذ لا يستقيم الخطاب بقوله: {إنك لمن المرسلين} إلا على سبق خطاب له وذكر اسم.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{يس} إن كان المعنى: يا إنسان، فهو قلب الموجودات المخلوقات كلها وخالصها وسرها ولبابها، وإن أريد: يا سيد، فهو خلاصة من سادهم.

وإن أريد: يا رجل، فهو خلاصة البشر، وإن أريد: يا محمد، فهو خالصة الرجال الذين هم لباب البشر...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

القول فيه كالقول في الحروف المقَطَّعة الواقعة في أوائل السور، ومن جملتها أنه اسم من أسماء الله تعالى، رواه أشهب عن مالك قاله ابن العربي، وفيه عن ابن عباس أنه: يا إنسان، بلسان الحبشة. وعنه أنها كذلك بلغة طيء، ولا أحسب هذا يصح عنه لأن كتابتها في المصاحف على حرفين تنافي ذلك.

ومن الناس من يدعي أن يس من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم.

ولعله أخذه من قوله تعالى في سورة الصافات (130) {سلام على آل ياسين} فقد قيل إنه يعني آل محمد صلى الله عليه وسلم.

ومن الناس من قال: إن يس اختزال: يا سيد، خطابا للنبيء صلى الله عليه وسلم ويوهنه نطق القراء بها بنون.

ومن الناس من يسمّي ابنه بهذه الكلمة وهو كثير في البلاد المصرية والشامية...