اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يسٓ} (1)

مقدمة السورة:

مكية{[1]} وهي ثلاث وثمانون آية ، وسبعمائة وتسع وعشرون كلمة ، وثلاثة آلاف حرف .

قوله تعالى : { يس } بسكون النون . وأدغم النون في الواو بعدها ابن كثير وأبو عمرو{[45624]} وحمزة وحفص وقالون{[45625]} وورش بخلاف عنه . وكذلك النون من «نون والقلم »{[45626]} وأظهرهما الباقون{[45627]} . فمن أدغم فاللخفّة ، ولأنه لما وصل والنفي متقاربان من كلمتين أولهما ساكن وجب الإدغام كالمِثْلَيْن . ومن أظهر فللمبالغة في تفكيك هذه الحروف بعضها من بعض ، لأنه بنية الوقف{[45628]} وهذا أُجْرِيَ على القياس{[45629]} في الحروف المقطعة وكذلك التقى فيها الساكنان وصلاً ونقل إليها حركة همزة الوصل على رأي نحو «الم . الله » كما تقدم تقريره .

( وأمال{[45630]} الياء من «يس » الأخَوَانِ ، وأبُو بكرٍ{[45631]} ؛ لأنها اسم من الأسماء كما تقدم تقريره ) أَوَّلَ البقرة{[45632]} .

قال الفَارسيُّ : وإذا أمالوا «ياء » وهي حرف نداء فَلأَنْ يُمِيلُوا «يا » من «يس » أَجْدَرُ{[45633]} . وقرأ عيسى وابن أبي إسْحَاقَ بفتح النون{[45634]} إمَّا على البناء على الفتح تخفيفاً{[45635]} ك «أَيْنَ وكَيْفَ » وإما على أنه مفعول ب «اتْلُ »{[45636]} وإما على أنه مجرور بحرف القسم{[45637]} ، وهو على الوجهين غير منصرف للعلمية والتأنيث{[45638]} ويجوز أن يكون منصوباً على إسْقاطِ حرف القسم{[45639]} كقوله :

4167- . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . أمَانَةَ اللَّهِ الثَّرِيدُ{[45640]}

وقرأ الكلبي{[45641]} بضم النون ، فقيل : على أنها خبرُ مبْتَدأ مُضْمَر ، أي هذه يس ومُنِعَتْ من الصرف ؛ لما تقدم .

وقيل : بل هي حركة بناء ك «حَيْثُ »{[45642]} فيجوز أن ( يكون ) خبراً كما تقدم وأن يكون مقسماً بها نحو : «عَهْدَ اللَّهِ لأَفْعَلَنَّ » .

وقيل : لأنها منادى فبنيت على الضم ، ولهذا فسَّرها الكلبي القارئ لها ب «يَا إنْسَانُ » . قال : وهي لغة طَيِّئ{[45643]} . قال الزمخشري : إن صح معناه فوجهه أن يكون أصله يا أُنَيْسِينُ فكثر النداء به على ألسنتهم حتى اقتصروا على شطره كما قالوا في القسم : «مُ اللَّهِ » في أَيْمُنُ اللَّهِ{[45644]} .

قال أبو حيان : والذي نقل عن العرب في تصغير إنسان أُنَيْسَان بياء بعدها ألف فدل أن أصله أُنْسِيَان ؛ لأن التصغير يرد الأشياءَ إلى أصولها ، ولا نعلم أنهم قالوا في تصغيره : أُنَيْسِين . وعلى تقدير أنه يصغر كذلك فلا يجوز ذلك إلا أنْ يُبْنَى على الضم{[45645]} ، لأنه منادى مُقْبَلٌ عليه ، ومع ذلك فلا يجوز لأنه تحقير ويمتنع من ذلك في حق النُّبُوَّةِ{[45646]} .

قال شهاب الدين : أما{[45647]} الاعتراض الأخير فصحيح نصوا على أن التصغير لا يدخل في الأسماء المعظمة شرعاً ، ولذلك يحكى أن ابْن قُتَيْبَةً ( لمَّا قال ){[45648]} في المهَيْمِن إنه مصغر من «مُؤْمن » والأصل : مُؤَيْمِنٌ فأبدلت الهمزةُ هاءً قيل له : هذا يَقْرُبُ من الكفر فلْيَتَّقِ اللَّهَ قَائِلُه{[45649]} .

وتقدمت هذه الحكايات في المائدة{[45650]} وما قيل فيها . وقد تقدم للزمخشري في «طه »{[45651]} ما يقرب من هذا البحث{[45652]} وتقدم كلام الشيخ معه{[45653]} .

وقرأ ابْن أَبِي إسْحَاقَ أيضاً وأبو السَّمَّال يس بكسر النون{[45654]} ، وذلك على أصل التقاء الساكنين ولا يجوز أن يكون حركة إعراب{[45655]}


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[45624]:السبعة 538 والنشر 2/353 وإبراز المعاني 87 وحجة ابن خالويه 297 والكشف 2/214.
[45625]:عيسى بن مينا بن وردان الزرقي أبو موسى قارئ المدينة ونحويها قرأ على نافع وأخذ عنه عرضا وروى عنه إبراهيم وأحمد وغيرهما. مات سنة 205. وقيل غير ذلك. انظر: غاية النهاية 1/615و 616.
[45626]:الأولى والثانية من القلم.
[45627]:مراجع القراءات السابقة والإتحاف أيضا 363.
[45628]:الكشف في القراءات لمكي 2/214 وحجة ابن خالويه 297 ومشكل إعراب القرآن 2/220 والبيان 2/290.
[45629]:والإظهار أقيس، فهذه الحروف حقها أن يوقف عليها على كل حرف منها، لأنها ليست بخبر لما قبلها، ولا خبر عنها، ولا يعطف عليها كالعدد فحقها الوقف والسكون عليها.
[45630]:ما بين القوسين ساقط من "ب".
[45631]:مراجع القراءات السابقة.
[45632]:اللباب 1/26 "ب".
[45633]:حجة القراءات السبع له 6/193.
[45634]:المحتسب 2/203 ونسبها ابن خالويه إلى عيسى فقط. المختصر 124 وانظر أيضا الكشاف 3/313.
[45635]:البيان 2/290 والمحتسب 2/203 والكشاف 3/313 والتبيان 1078 ومشكل إعراب القرآن 2/220.
[45636]:الكشاف والمشكل السابقين. والبحر المحيط 7/323. وهو مذهب سيبويه في 3/258 على أنه اسم السورة وإليه ذهب الزجاج في أحد قوليه المعاني له 4/277.
[45637]:البحر المحيط 7/323.
[45638]:مشكل إعراب القرآن 2/220.
[45639]:معاني القرآن وإعرابه للزجاج 4/277.
[45640]:بعض بيت من الطويل مجهول قائله وهو بتمامه: إذا ما الخبز تأدمه بلحم فذاك أمانة الله الثريد وتأدمه: تخلطه. والثريد : الطعام. والشاهد "أمانة" نصبها على إسقاط حرف الجر والقسم. والأصل أحلف وأقسم بأمانة. انظر الكتاب 3/61 و 498 وابن يعيش 9/92 و 102 و 104 والدر المصون 4/492.
[45641]:المحتسب 2/203 والبحر 7/323 وهي شاذة.
[45642]:قال بذلك صاحب الكشاف 3/313.
[45643]:المحتسب 2/203.
[45644]:الكشاف 3/313.
[45645]:في البحر: ولا يبقى موقوفا لأنه..........
[45646]:البحر 7/323.
[45647]:الدر المصون 4/493.
[45648]:سقط من "ب".
[45649]:قال في غريب القرآن: "ومن صفاته المهيمن وهو الشهيد، لأن أهل النظر من أصحاب اللغة يرون أن "مهيمنا" اسم مبني من آمن كما بني (بطير) و (بيطار) من بطر.. وكان الأصل مؤيمن، ثم قلبت الهمزة هاء لقرب مخرجها" وهذه العبارة في غريب القرآن 11 و 12، وفي اللسان "هـ م ن": وقال بعضهم: مهيمن معنى المؤيمن، والهاء بدل من الهمزة كما قالوا هرقت وأرقت وكما قالوا: إياك وهياك. قال الأزهري: وهذا على قياس العربية صحيح مع ما جاء في التفسير أنه بمعنى الأمين. [والبطر معناه الشق]. ونقل السيوطي في الأشباه والنظائر رأي المبرد قال المبرد: بلغني أن ابن قتيبة قال: إن مهيمنا تصغير "مؤمن" والهاء بدل من الهمزة، فوجهت إليه أن اتق الله فإن هذا خطأ يوجب الكفر على من تعمده، وإنما هو مثل مسيطر. انظر: الأشباه والنظائر 3/128.
[45650]:عند قوله عز وجل: {مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه} من الآية 48.
[45651]:أي في سورة طه عليه السلام.
[45652]:قال: وإن الأصل "طاء" فقلبت همزته هاء أو قلبت ألفا في يطأ فيمن قال: لا هناك المرتع ثم بني عليه الأمر والهاء للسكت. ويجوز أن يكتفى بشطري الاسمين وهما الدالان بلفظهما على المسميين والله أعلم بصحة ما يقال: إن "طأها" في لغة عك في معنى يا رجل. الكشاف 2/528.
[45653]:هذا تمام كلام السمين ويقصد بالشيخ أبا حيان شيخه وأستاذه. انظر: البحر المحيط 6/224.
[45654]:من القراءات الشاذة ذكرها أبو الفتح في المحتسب 2/203 وابن خالويه في مختصره 124، والفراء 2/371.
[45655]:والكلام بني على الإدراج فلا يجوز إذا كسرنا أو فتحنا، لأن الكلام متصل. وهذا معنى كلام ابن جني في المحتسب المرجع السابق.