نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{يسٓ} (1)

ولما كان القلب من الإنسان المقصود بالذات من الأكوان في نحو ثلث بدنه من جهة رأسه ، وكانت الياء في نحو ذلك من حروف " أبجد " فإنها العاشرة منها والسين بذلك المحل من حروف أ ب ت ث فإنها الثانية عشرة منها ، وعلا هذان الحرفان - بما فيهما من الجهر - عن غاية الضعف ونزلا بما لهما من الهمس عن نهاية الشدة ، إشارة إلى أن القلب الصحيح هو الزجاجي الشفاف الجامع بين الصلابة والرقة الذي علا بصلابته عن رقة الماء الذي لا يثبت فيه صورة ، ونزل بلطافته عن قساوة الحجر الذي لا يكاد ينطبع فيه شيء إلا بغاية الجهد ، فكان جامعاً بين الصلابة والرقة متهيئاً لأن تنطبع فيه الصور وتثبت ليكون قابلاً مفيداً ، فيكون متخلفاً من صفات موجدة بالقدرة والاختيار اللذين دلت عليهما سورة الملائكة ، وبمعرفة الخير فيجتلبه والشر فيجتنبه فيكون فيه شاهد من نفسه على الاعتقاد الحق في صانعه ، وكانت المجهورة أقوى فقدمت الياء لجهرها ، وكانتا - بعد اختلاف بالجهر والهمس - قد اتفقتا في الانفتاح والرخاوة والاستفال إشارة إلى أن القلب لا يصلح - كما تقدم - مع الصلابة التي هي في معنى الجهر إلا بالإخبات الذي هو في معنى الهمس ، وبالنزول عن غاية الصلابة إلى حد الرخاوة لئلا يكون حجرياً قاسياً ، بأن يكون فيه انفتاح ليكون مفيداً وقابلاً ، ويكون مستفلاً ليكون إلى ربه بتواضعه واصلاً ، وزادت السين بالصفير الذي فيه شدة وانتشار وقوة لضعفها عن الياء بالهمس فتعادلتا ، ودل صفيرها على النفخ في الصور الذي صرحت به هذه السورة ، ودل جهر الياء على قوته ، ودل كونها من حروف النداء على خروجه عن الحد في الشده حتى تبدو عنه تلك الآثار المخلية للديار ، المفنية للصغار والكبار ، ثم الباغتة لهم من جميع الأقطار ، امتثالاً لأمر الواحد القهار ، وكان مخرجهما من اللسان الذي هو قلب المخارج الثلاثة لتوسطه وكثرة منافعه في ذلك ، وكانت الياء من وسطه والسين من طرفه ، وكان هذان المخرجان ، مع كونهما وسطاً ، مداراً لأكثر الحروف ، هذا مع ما لهما من الأسرار التي تدق عن تصور الأفكار ، قال تعالى : { يس * } وإن كان المعنى : يا إنسان ، فهو قلب الموجودات المخلوقات كلها وخالصها وسرها ولبابها ، وإن أريد : يا سيد ، فهو خلاصة من سادهم ، وإن أريد : يا رجل ، فهو خلاصة البشر ، وإن أريد : يا محمد ، فهو خالصة الرجال الذين هم لباب البشر الذين هم سر الأحياء الذين هم عين الموجودات فهو خلاصة الخلاصة وخيارالخيار وعين القلب ، وكأن من قال معناه محمد نظر إلى الإتحاد في عدد اسمه صلى الله عليه وسلم بالجمل بالنظر إلى الميمين في المشددة وعدد { قلب } وعدد اسمي الحرفين ، ولا يخفى أن الهمزة في اسم الياء ألف ثانية ، فمبلغ عدده اثنا عشر .