فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يسٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة يس

هي ثلاث وثمانون آية وهي مكية . قال القرطبي : بالإجماع إلا أن فرقة قالت { ونكتب ما قدموا وآثارهم } نزلت في بني سلمة من الأنصار حين أرادوا أن يتركوا ديارهم وينتقلوا إلى جوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسيأتي بيان ذلك . وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : سورة يس نزلت بمكة . وأخرج ابن مردويه عن عائشة مثله . وأخرج الدارمي والترمذي ومحمد بن نصر والبيهقي في الشعب عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن لكل شيء قلباً ، وقلب القرآن يس ، من قرأ يس كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات » . قال الترمذي بعد إخراجه : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حميد بن عبد الرحمن ، وفي إسناده هارون أو محمد ، وهو شيخ مجهول ، وفي الباب عن أبي بكر ، ولا يصح لضعف إسناده . وأخرج البزار من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن لكل شيء قلباً ، وقلب القرآن يس » ، ثم قال بعد إخراجه : لا نعلم رواه إلا زيد عن حميد : يعني زيد بن الحباب عن حميد المكي مولى آل علقمة . وأخرج الدارمي وأبو يعلى والطبراني في الأوسط وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم «من قرأ يس في ليلة ابتغاء وجه الله غفر له في تلك الليلة » قال ابن كثير : إسناده جيد . وأخرج ابن حبان والضياء عن جندب بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من قرأ يس في ليلة ابتغاء وجه الله غفر له » . وإسناده في صحيح ابن حبان هكذا : حدثنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم مولى ثقيف ، حدثنا الوليد بن شجاع بن الوليد الكوبي ، حدثنا أبي ، حدثنا زياد بن خيثمة ، حدثنا محمد ابن جحادة عن الحسن عن جندب بن عبد الله قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره . وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه ومحمد بن نصر وابن حبان والطبراني والحاكم والبيهقي في الشعب عن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «يس قلب القرآن ، لا يقرأها عبد يريد الله والدار الآخرة إلا غفر له ما تقدم من ذنبه ، فاقرأوها على موتاكم » . وقد ذكر له أحمد إسنادين : أحدهما فيه مجهول ، والآخر ذكر فيه عن أبي عثمان وقال : وليس بالنهدي عن أبيه عن معقل . وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي عن حسان بن عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «من قرأ يس فكأنما قرأ القرآن عشر مرات » . وأخرج ابن الضريس وابن مردويه والخطيب والبيهقي عن أبي بكر الصديق قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سورة يس تدعى في التوراة المعممة ، تعم صاحبها بخير الدنيا والآخرة ، تكابد عنه بلوى الدنيا والآخرة ، وتدفع عنه أهاويل الآخرة ، وتدعى الدافعة والقاضية ، تدفع عن صاحبها كل سوء وتقضي له كل حاجة ، من قرأها عدلت عشرين حجة ، ومن سمعها عدلت له ألف دينار في سبيل الله ، ومن كتبها ثم شربها أدخلت جوفه ألف دواء وألف نور وألف يقين وألف بركة وألف رحمة ونزعت عنه كل غل وداء » قال البيهقي : تقرب به عبد الرحمن بن أبي بكر الجدعاني عن سليمان بن رافع الجندي ، وهو منكر . قلت : وهذا الحديث هو الذي تقدمت الإشارة من الترمذي إلى ضعف إسناده ، ولا يبعد أن يكون موضوعاً ، فهذه الألفاظ كلها منكرة بعيدة عن كلام من أوتي جوامع الكلم ، وقد ذكره الثعلبي من حديث عائشة ، وذكره الخطيب من حديث أنس ، وذكر نحوه الخطيب من حديث علي بأخصر منه . وأخرج البزار عن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم في سورة يس : «لوددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي » . وإسناده هكذا : قال حدثنا سلمة بن شبيب ، حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره . وأخرج الطبراني وابن مردويه قال السيوطي بسند ضعيف عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من داوم على قراءة يس كل ليلة ثم مات مات شهيداً » . وأخرج الدارمي عن ابن عباس قال : من قرأ يس حين يصبح أعطي يسر يومه حتى يمسي ، ومن قرأها في صدر ليلته أعطي يسر ليلته حتى يصبح .

قوله : { يس } قرأ الجمهور بسكون النون ، وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، وحفص ، وقالون ، وورش بإدغام النون في الواو الذي بعدها ، وقرأ عيسى بن عمر بفتح النون ، وقرأ ابن عباس ، وابن أبي إسحاق ، ونصر بن عاصم بكسرها ، فالفتح على البناء ، أو على أنه مفعول فعل مقدّر تقديره : اتل يس ، والكسر على البناء أيضاً كجير ، وقيل : الفتح ، والكسر للفرار من التقاء الساكنين . وأما وجه قراءة الجمهور بالسكون للنون ، فلكونها مسرودة على نمط التعديد ، فلا حظ لها من الإعراب . وقرأ هارون الأعور ، ومحمد بن السميفع ، والكلبي بضم النون على البناء كمنذ ، وحيث وقط ، وقيل : على أنها خبر مبتدأ محذوف : أي هذه يس ، ومنعت من الصرف للعلمية والتأنيث .

واختلف في معنى هذه اللفظة ، فقيل : معناها : يا رجل ، أو يا إنسان . قال ابن الأنباري : الوقف على يس حسن لمن قال : هو افتتاح للسورة ، ومن قال : معناه يا رجل ، لم يقف عليه . وقال سعيد بن جبير ، وغيره : هو اسم من أسماء محمد صلى الله عليه وسلم دليله { إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين } ، ومنه قول السعد الحميري :

يا نفس لا تمحضي بالنصح جاهدة *** على المودّة إلاّ آل ياسين

ومنه قوله : { سلام على إِلْ يَاسِينَ } [ الصافات : 130 ] أي على آل محمد ، وسيأتي في الصافات ما المراد بآل ياسين . قال الواحدي : قال ابن عباس ، والمفسرون : يريد يا إنسان : يعني محمداً صلى الله عليه وسلم . وقال أبو بكر الورّاق : معناه يا سيد البشر . وقال مالك : هو اسم من أسماء الله تعالى ، روى ذلك عنه أشهب . وحكى أبو عبد الرحمن السلمي عن جعفر الصادق : أن معناه يا سيد . وقال كعب : هو قسم أقسم الله به ، ورجح الزجاج أن معناه : يا محمد . واختلفوا هل هو عربيّ أو غير عربيّ ؟ ، فقال سعيد بن جبير ، وعكرمة : حبشي . وقال الكلبي : سرياني تكلمت به العرب ، فصار من لغتهم . وقال الشعبي : هو بلغة طيّ . وقال الحسن : هو بلغة كلب . وقد تقدم في طه ، وفي مفتتح سورة البقرة ما يغني عن التطويل هاهنا .

/خ12