البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يسٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة يس

هذه السورة مكية ، إلا أن فرقة زعمت أن قوله : { ونكتب ما قدموا } ، و { وآثارهم } ، نزلت في بني سلمة من الأنصار حين أرادوا أن يتركوا ديارهم وينتقلوا إلى جوار مسجد الرسول ، وليس زعماً صحيحاً .

وقيل : إلا قوله : { وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله } الآية .

وتقدم الكلام في الحروف المقطعة في أول البقرة ، قال ابن جبير هنا : إنه اسم من أسماء محمد صلى الله عليه وسلم ، ودليله { إنك لمن المرسلين } .

قال السيد الحميري :

يا نفس لا تمحضي بالود جاهدة *** على المودة إلا آل ياسيناً

وقال ابن عباس : معناه يا إنسان بالحبشية ، وعنه هو في لغة طيء ، وذلك أنهم يقولون إيسان بمعنى إنسان ، ويجمعونه على أياسين ، فهذا منه .

وقالت فرقة : يا حرف نداء ، والسين مقامة مقام إنسان انتزع منه حرف فأقيم مقامه .

وقال الزمخشري : إن صح أن معناه يا إنسان في لغة طيء ، فوجهه أن يكون أصله يا أنيسين ، فكثر النداء على ألسنتهم حتى اقتصروا على شطره ، كما قالوا في القسم : م الله في أيمن الله . انتهى .

والذي نقل عن العرب في تصغيرهم إنسان أنيسيان بياء بعدها ألف ، فدل على أن أصله أنيسان ، لأن التصغير يرد الأشياء إلى أصولها ، ولا نعلمهم قالوا في تصغيره أنيسين ، وعلى تقدير أنه بقية أنيسين ، فلا يجوز ذلك ، لا أن يبنى على الضم ، ولا يبقى موقوفاً ، لأنه منادي مقبل عليه ، مع ذلك فلا يجوز لأنه تحقير ، ويمتنع ذلك في حق النبوة .

وقوله : كما قالوا في القسم م الله في أيمن الله ، هذا قول .

ومن النحويين من يقول : إن م حرف قسم وليس مبقى من أيمن .

وقرىء : بفتح الياء وإمالتها محضاً ، وبين اللفظين .

وقرأ الجمهور : بسكون النون مدغمة في الواو ؛ ومن السبعة : الكسائي ، وأبو بكر ، وورش ، وابن عامر : مظهرة عند باقي السبعة .

وقرأ ابن أبي إسحاق ، وعيسى : بفتح النون .

وقال قتادة : يس قسم .

قال أبو حاتم : فقياس هذا القول فتح النون ، كما تقول : الله لأفعلن كذا .

وقال الزجاج : النصب ، كأنه قال : اتل يس ، وهذا على مذهب سيبويه أنه اسم للسورة .

وقرأ الكلبي : بضم النون ، وقال هي بلغة طيء : يا إنسان .

وقرأ السماك ، وابن أبي إسحاق أيضاً : بكسرها ؛ قيل : والحركة لالتقاء الساكنين ، فالفتح كائن طلباً للتخفيف والضم كحيث ، والكسر على أصل التقائهما .

وإذا قيل أنه قسم ، فيجوز أن يكون معرباً بالنصب على ما قال أبو حاتم ، والرفع على الابتداء نحو : أمانة الله لأقومن ، والجر على إضمار حرف الجر ، وهو جائز عند الكوفيين .