معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَهَـٰٓؤُلَآءِ ٱلَّذِينَ أَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُواْ خَٰسِرِينَ} (53)

قوله تعالى : { ويقول الذين آمنوا } قرأ أهل الكوفة : ويقول ، بالواو والرفع على الاستئناف ، وقرأ أهل البصرة بالواو ونصب اللام عطفاً على أن يأتي أي : وعسى أن يقول الذين آمنوا ، وقرأ الآخرون بحذف الواو ورفع اللام ، وكذلك هو في مصاحف أهل العالية استغناء عن حرف العطف بملابسة هذه الآية بما قبلها ، يعني يقول الذين آمنوا في وقت إظهار الله تعالى نفاق المنافقين .

قوله تعالى : { أهؤلاء الذين أقسموا بالله } . حلفوا بالله .

قوله تعالى : { جهد أيمانهم } ، أي : حلفوا بأغلظ الأيمان .

قوله تعالى : { إنهم لمعكم ؟ } أي : إنهم لمؤمنون ، يريد : أن المؤمنين حينئذ يتعجبون من كذبهم وحلفهم بالباطل .

قوله تعالى : { حبطت أعمالهم } ، بطل كل خير عملوه .

قوله تعالى : { فأصبحوا خاسرين } ، خسروا الدنيا بافتضاحهم ، والآخرة بالعذاب وفوات الثواب .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَهَـٰٓؤُلَآءِ ٱلَّذِينَ أَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُواْ خَٰسِرِينَ} (53)

51

( يقول الذين آمنوا : أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم ؟ حبطت أعمالهم ، فأصبحوا خاسرين ! ) . .

ولقد جاء الله بالفتح يوما ، وتكشفت نوايا ، وحبطت أعمال ، وخسرت فئات . ونحن على وعد من الله قائم بأن يجيء الفتح ، كلما استمسكنا بعروة الله وحده ؛ وكلما أخلصنا الولاء لله وحده . وكلما وعينا منهج الله ، وأقمنا عليه تصوراتنا وأوضاعنا . وكلما تحركنا في المعركة على هدى الله وتوجيهه . فلم نتخذ لنا وليا إلا الله ورسوله والذين آمنوا . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَهَـٰٓؤُلَآءِ ٱلَّذِينَ أَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُواْ خَٰسِرِينَ} (53)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُواْ أَهَُؤُلآءِ الّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ } . .

اختلف القرّاء في قراءة قوله : وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُوا فقرأتها قرّاء أهل المدينة : «فَيُصْبِحُوا على ما أسَرّوا في أنْفُسِهِمْ نادِمِينَ يَقُول الّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الذينَ أقْسَمُوا باللّهِ » بغير واو .

وتأويل الكلام على هذه القراءة : فيصبح المنافقون إذا أتى الله بالفتح أو أمر من عنده ، على ما أسرّوا في أنفسهم نادمين ، يقول المؤمنين تعجبا منهم ومن نفاقهم وكذبهم واجترائهم على الله في أيمانهم الكاذبة بالله : أهؤلاء الذين أقسموا لنا بالله إنهم لمعنا وهم كاذبون في أيمانهم لنا وهذا المعنى قصد مجاهد في تأويله ذلك الذي :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : فَعَسَى اللّهُ أنْ يَأتِيَ بالفَتْحِ أوْ أمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ حينئذٍ ، يقول الذين آمنوا : أهؤلاء الذين أفسموا بالله جهد إيمانهم ، إنهم لمعكم ، حبطت أعمالهم فأصحوا خاسرين .

كذلك ذلك في مصاحف أهل المدينة بغير واو . وقرأ ذلك بعض البصريين : وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُوا بالواو ، ونصب «يقول » عطفا به على «فعسى الله أن يأتي بالفتح » . وذكر قارىء ذلك أنه كان يقول : إنما أريد بذلك : فعسى الله أن يأتي بالفتح ، وعسى يقول الذين آمنوا . ومحال غير ذلك ، لأنه لا يجوز أن يقال : وعسى الله أن يقول الذين آمنوا ، وكان يقول : ذلك نحو قولهم : أكلت خبزا ولبنا ، وكقول الشاعر :

ورأيْتِ زَوْجَكِ في الوَغَى ***مُتَقَلّدا سَيْفا وَرُمحَا

فتأويل الكلام على هذه القراءة : فعسى الله أن يأتي بالفتح المؤمنين ، أو أمر من عنده يديلهم به على أهل الكفر من أعدائهم ، فيصبح المنافقون على ما أسرّوا في أنفسهم نادمين ، وعسى أن يقول الذين آمنوا حينئذٍ : هؤلاء الذين أقسموا بالله كذبا جهد أيمانهم إنهم لمعكم . وهي في مصاحف أهل العراق بالواو : وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُوا . وقرأ ذلك قرّاء الكوفيين : وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُوا بالواو ورفع يقول بالاستقبال والسلامة من الجوازم والنواصب .

وتأويل من قرأ ذلك كذلك : فيصبحوا على ما أسرّوا في أنفسهم يندمون ، ويقول الذين آمنوا فيبتدىء «يقول » فيرفعها . وقراءتنا التي نحن عليها : وَيَقُولُ بإثبات الواو في : «ويقول » ، لأنها كذلك هي في مصاحفنا مصاحف أهل الشرق بالواو ، وبرفع «يقول » على الابتداء .

فتأويل الكلام إذ كان القراءة عندنا على ما وصفنا : فيصبحوا على ما أسرّوا في أنفسهم نادمين ، ويقول المؤمنون : أهؤلاء الذين حلفوا لنا بالله جهد أيمانهم كذبا إنهم لمعنا . يقول الله تعالى ذكره مخبرا عن حالهم عنده بنفاقهم وخبث أعمالهم : حَبِطَتْ أعمالُهُمْ يقول : ذهبت أعمالهم التي عملوها في الدنيا باطلاً لا ثواب لها ولا أجر ، لأنهم عملوها على غير يقين منهم بأنها عليهم لله فرض واجب ولا على صحة إيمان بالله ورسوله ، وإنما كانوا يعملونها ليدفعوا المؤمنين بها عن أنفسهم وأموالهم وذراريهم ، فأحبط الله أجرها إذ لم تكن له فأصْبَحُوا خَاسِرينَ يقول : فأصبح هؤلاء المنافقون عند مجيء أمر الله بإدالة المؤمنين على أهل الكفر قد وكسوا في شرائهم الدنيا بالاَخرة ، وخابت صفقتهم وهلكوا .