معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَا لَقِيَا غُلَٰمٗا فَقَتَلَهُۥ قَالَ أَقَتَلۡتَ نَفۡسٗا زَكِيَّةَۢ بِغَيۡرِ نَفۡسٖ لَّقَدۡ جِئۡتَ شَيۡـٔٗا نُّكۡرٗا} (74)

قوله تعالى : { فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً فقتله } ، في القصة أنهما خرجا من البحر يمشيان ، فمرا بغلمان يلعبون ، فأخذ الخضر غلاماً ظريفاً وضيء الوجه فأضجعه ثم ذبحه بالسكين . قال السدي : كان أحسنهم وجهاً ، كان وجهه يتوقد حسناً . وروينا أنه أخذ برأسه فاقتلعه بيده . وروى عبد الرزاق هذا الخبر ، وأشار بأصابعه الثلاث : الإبهام والسبابة والوسطى ، وقلع رأسه . وروي أنه رضخ رأسه بالحجارة . وقيل : ضرب رأسه بالجدار فقلته . قال ابن عباس : كان غلاماً لم يبلغ الحنث ، وهو قول الأكثرين ، قال ابن عباس : لم يكن نبي الله يقول : أقتلت نفساً زكية إلا وهو صبي لم يبلغ . وقال الحسن : كان رجلاً . وقال شعيب الجبائي : كان اسمه حيسور . قال الكلبي : كان فتى يقطع الطريق ويأخذ المتاع ويلجأ إلى أبويه . وقال الضحاك : كان غلاماً يعمل بالفساد وتأذى منه أبواه .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنا عبد الغافر بن محمد ، أنا محمد بن عيسى الجلودي ، أنبأنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، ثنا مسلم بن الحجاج ، أنبأنا عبد الله بن مسلمه بن مغيت ، ثنا معمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن رقية بن مصقلة ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافراً ، ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً " . { قال } موسى { أقتلت نفساً زكيةً } ، قرأ ابن كثير ونافع وأبو جعفر وأبو عمرو : ( زاكية ) بالألف ، وقرأ الآخرون : زكية ، قال الكسائي والفراء : معناهما واحد ، مثل : القاسية والقسية ، وقال أبو عمرو بن العلاء : الزاكية : التي لم تذنب قط ، والزكية : التي أذنبت ثم تابت . { بغير نفس } ، أي : لم تقتل نفساً بشيء وجب به عليها القتل . { لقد جئت شيئاً نكراً } أي : منكراً . قال قتادة : النكر أعظم من الإمر ، لأنه حقيقة الهلاك ، وفي خرق السفينة كان خوف الهلاك . وقيل : الإمر : أعظم ، لأنه كان فيه تغريق جمع كثير . قرأ نافع وابن عامر ويعقوب وأبو بكر هاهنا : ( نكراً ) وفي سورة الطلاق بضم الكاف ، والآخرون بسكونها .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَا لَقِيَا غُلَٰمٗا فَقَتَلَهُۥ قَالَ أَقَتَلۡتَ نَفۡسٗا زَكِيَّةَۢ بِغَيۡرِ نَفۡسٖ لَّقَدۡ جِئۡتَ شَيۡـٔٗا نُّكۡرٗا} (74)

ويقبل الرجل اعتذاره ، فنجدنا أمام المشهد الثاني :

( فانطلقا . حتى إذا لقيا غلاما فقتله . . ) .

وإذا كانت الأولى خرق السفينة واحتمال غرق من فيها ؛ فهذه قتل نفس . قتل عمد لا مجرد احتمال . وهي فظيعة كبيرة لم يستطع موسى أن يصبر عليها على الرغم من تذكره لوعده :

( قال : أقتلت نفسا زكية بغير نفس ? لقد جئت شيئا نكرا ) .

فليس ناسيا في هذه المرة ولا غافلا ؛ ولكنه قاصد . قاصد أن ينكر هذا النكر الذي لا يصبر على وقوعه ولا يتأول له أسبابا ؛ والغلام في نظره بريء . لم يرتكب ما يوجب القتل ، بل لم يبلغ الحلم حتى يكون مؤاخذا على ما يصدر منه .