فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَا لَقِيَا غُلَٰمٗا فَقَتَلَهُۥ قَالَ أَقَتَلۡتَ نَفۡسٗا زَكِيَّةَۢ بِغَيۡرِ نَفۡسٖ لَّقَدۡ جِئۡتَ شَيۡـٔٗا نُّكۡرٗا} (74)

{ فانطلقا } بعد خروجهما من السفينة يمشيان { حتى إذا لقيا غلاما } قيل كان اسمه شمعون ، ذكره القرطبي ؛ ولفظ الغلام يتناول الشاب البالغ كما يتناول الصغير ، قيل كان الغلام يلعب مع الصبيان { فقتله } أي فاقتلع الخضر رأسه أو ذبحه بالسكين أو ضرب رأسه بالجدار أقوال ، وأتى هنا بالفاء العاطفة لأن القتل عقب اللقىّ وجواب إذا { قال } موسى { أقتلت نفسا زكية } هي البريئة من الذنوب ، الطاهرة .

قال أبو عمر : الزاكية التي لم تذنب ، والزكية التي أذنبت ثم تابت ، وقال الكسائي : الزاكية والزكية لغتان ، وقال الفراء : الزاكية والزكية مثل القاسية والقسية ، قال ابن عباس :زاكية مسلمة ، وقال سعيد ابن جبير :لم يبلغ الخطايا . وعن الحسن نحو { بغير } قتل { نفس } محرمة حتى يكون قتل هذه قصاصا { لقد جئت } أي فعلت { شيئا نكرا } أي فظيعا منكرا لا يعرف في الشرع ، قرئ بسكون الكاف وضمها وهما سبعيتان ، قيل معناه أنكر من الأمر الأول لكون القتل لا يمكن تداركه بخلاف نزع اللوح من السفينة فإنه يمكن تداركه بإرجاعه . وقيل النكر أقل من الإمر ، لأن قتل نفس واحدة أهون من إغراق أهل السفينة .

وعن قتادة قال : النكر أنكر من العجب ، قيل استبعد موسى أن يقتل نفسا بغير نفس ولم يتأول للخضر بأنه يحل القتل بأسباب أخر . عن أبي العالية عند ابن المنذر وابن أي حاتم قال : كان الخضر عبدا لا تراه الأعين إلا من أراد الله أن يريه إياه ، فلم يراه من القوم إلا موسى ، ولو رآه القوم لحالوا بينه وبين خرق السفينة وبين قتل الغلام .

وأقول ينبغي أن ينظر من أين له هذا ، فإن لم يكن مستنده إلا قوله " ولو رآه القوم الخ " فليس ذلك بموجب لما ذكره أما أولا فإن الجائز أن يفعل ذلك من غير أن يراه أهل السفينة وأهل الغلام لا لكونه لا تراه الأعين ، بل لكون فعل ذلك من غير اطلاعهم .

وأما ثانيا فيمكن أن أهل السفينة وأهل الغلام قد عرفوه ، ويدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول ، وعرفوا أنه لا يفعل ذلك إلا بأمر من الله كما يفعل الأنبياء فسلموا الأمر لله . وعن عطاء قال : كتب نجدة الحروري إلى ابن عباس يسأله عن قتل الصبيان فكتب إليه إن كنت الخضر تعرف الكافر من المؤمن فاقتلهم ، وفي لفظ ولكنك لا تعلم ، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن قتلهم فاعتزلهم .

وأخرج مسلم وأبو داوود والترمذي وغيرهم عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الغلام الذي قتله الخضر طبع يوم طبع كافرا ، ولو أدرك لأرهق بأبويه طغيانا وكفرا . {[1126]} .

70


[1126]:مسلم 2661-أبو داوود كتاب السنة باب19.