الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَا لَقِيَا غُلَٰمٗا فَقَتَلَهُۥ قَالَ أَقَتَلۡتَ نَفۡسٗا زَكِيَّةَۢ بِغَيۡرِ نَفۡسٖ لَّقَدۡ جِئۡتَ شَيۡـٔٗا نُّكۡرٗا} (74)

قوله : { زاكِيَةً } : قرأ " زاكية " بألفٍ وتخفيفِ الياءِ نافعٌ وابنُ كثير وابو عمرو . وبدون الألف وتشديد الياء الباقون . فَمَنْ قَرَأ " زاكية " فهو أسمُ فاعلٍ على أصلِه . ومَنْ قرأ " زَكِيَّة " فقد أخرجه إلى فَعِيلة للمبالغة .

والغُلام : مَنْ لم يَبْلُغْ . وقد يُطْلق على البالغِ الكبيرِ . فقيل : مجازاً باعتبارِ ما كان . ومنه قولُ ليلى :

شَفاها مِنَ الدَّاءِ الذي قد أصابها *** غُلامٌ إذا هَزَّ القناةَ شَفاها

وقال آخر :

تَلَقَّ ذُبابَ السَّيْفِ عني فإنني *** غلامٌ إذا هُوجِيْتُ لَسْتُ بشاعرِ

وقيل : بل هو حقيقةٌ لأنه مِن الإِغلام وهو السَّبْق ، وذلك إنما يكونُ في الإِنسانِ المحتلِمِ . وقد تقدَّم ترتيبُ أسماءِ الآدمي مِنْ لَدُن هو جنينٌ إلى أن يضير شيخاً ولله الحمد/ .

قال الزمخشري : " فإن قلت : لِمَ قيل : " حتى إذا رَكِبا في السفينةِ خَرَقَها " بغير فاءٍ ، و " حتى إذا لَقِيا غلاماً فَقَتَله " بالفاء ؟ قلت " جَعَل " خَرَقَها " جزاءً للشرطِ ، وجَعَل " قَتَله " من جملةِ الشرط معطوفاً عليه ، والجزاءُ " قال : أَقْتَلْتَ " . فإنْ قلت : لِمَ خُولف بينهما ؟ قلت : لأنَّ الخَرْقَ لم يتعقَّبِ الركوبَ ، وقد تعقَّبَ القتلُ لقاءَ الغلامِ " .

قوله : { بِغَيْرِ نَفْسٍ } فيه ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدها : انها متعلقةٌ ب " قَتَلْتَ " . الثاني : أنها متعلقةٌ بمحذوفٍ على أنها حالٌ مِنَ الفاعلِ أو من المفعولِ ، أي : قَتَلْتَه ظالماً أو مظلوماً ، كذا قَدَّرَه أبو البقاء . وهو بعيدٌ جداً . الثالث : أنها صفةٌ لمصدرٍ محذوفٍ ، أي : قَتْلاً بغيرِ نفسٍ .

قوله : " نُكْراً " قرأ نافع وأبو بكر وابن ذكوان بضمتين ، والباقون بضمة وسكون . وهما لغتان ، أو أحدهما أصل . و " شيئاً " : يجوز أن يُراد به المصدرُ ، أي : مَجيئاً نُكْرا ، وأن يُراد به المفعولُ به ، أي : جِئْتَ أمراً مُنْكَراً . وهل النُّكْرُ أَبْلَغُ من الإِمر أو بالعكس . فقيل : الإِمْرُ أبلغُ ؛ لأنَّ قَتْلَ أَنْفُسٍ بسبب الخَرْقِ أعظمُ مِنْ قَتْل نفسٍ واحدة . وقيل : بل النُّكْر أبلغُ لأن معه القَتْلَ الحَتْمَ ، بخلاف خَرْقِ السفينة فإنه يمكن تدارُكُه ، ولذلك قال : " ألم أَقُلْ لك " ولم يأتِ ب " لك " مع " إمراً " .