النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰٓ إِذَا لَقِيَا غُلَٰمٗا فَقَتَلَهُۥ قَالَ أَقَتَلۡتَ نَفۡسٗا زَكِيَّةَۢ بِغَيۡرِ نَفۡسٖ لَّقَدۡ جِئۡتَ شَيۡـٔٗا نُّكۡرٗا} (74)

قوله تعالى : { فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً فقتله } يعني انطلق موسى والخضر فاحتمل أن يكون يوشع تأخر عنهما ، لأن المذكور انطلاق اثنين وهو الأظهر لاختصاص موسى بالنبوة واجتماعه مع الخضر عن وحي ، واحتمل أن يكون معهما ولم يذكر لأنه تابع لموسى ، فاقتصر على ذكر المتبوع دون التابع لقول موسى : { ذلك ما كنا نبغي } فكان ذلك منه إشارة إلى فتاه يوشع .

واختلف في الغلام المقتول هل كان بالغاً ، فقال ابن عباس : كان رجلاً شاباً قد قبض على لحيته لأن غير البالغ لا يجري عليه القلم بما يستحق به القتل ، وقد يسمى الرجل غلاماً ، قالت ليلى الأخيلية في الحجّاج :

شفاها من الداء العُضال الذي بها *** غُلامٌ إذا هزَّ القَناةَ سقاها

وقال الأكثرون : كان صغيراً غير بالغ وكان يلعب مع الصبيان ، حتى مر به الخضر فقتله .

وفي سبب قتله قولان :

أحدهما : لأنه طبع على الكفر .

الثاني : لأنه أصلح بقتله حال أبويه . وفي صفة قتله قولان :

أحدهما : أنه أخذه من بين الصبيان فأضجعه وذبحه بالسكين ، قاله سعيد بن جبير .

الثاني : أنه أخذ حجراً فقتل به الغلام ، قاله مقاتل فاستعظم موسى ما فعله الخضر من قتل الغلام من غير سبب .

ف { قال أقتلت نَفْساً زَكيةً بغير نفْسٍ } فاختلف هل قاله استخباراً أو إنكاراً على قولين :

أحدهما : أنه قال ذلك استخباراً عنه لعلمه بأنه لا يتعدى في حقوق الله تعالى .

الثاني : أنه قاله إنكاراً عليه لأنه قال : { لقد جئت شيئاً نُكراً }

قرأ أبو عمرو ونافع وابن كثير { زاكية } وقرأ حمزة وابن عامر وعاصم والكسائي زكيّة بغير ألف .

واختلف في زاكية - وزكية على قولين : أحدهما : وهو قول الأكثرين أن معناهما واحد ، فعلى هذا اختلف في تأويل ذلك على ستة أوجه :

أحدها : أن الزاكية التائبة ، قاله قتادة .

الثاني : أنها الطاهرة ، حكاه ابن عيسى .

الثالث : أنها النامية الزائدة ، قاله كثير من المفسرين ، قال نابغة بني ذبيان :

وما أخرتَ من دُنياك نقص *** وإن قدّمْتَ عادَ لَك الزّكاءُ

يعني الزيادة .

الرابع : الزاكية المسلمة ، قاله ابن عباس لأن عنده أن الغلام المقتول رجل .

الخامس : أن الزاكية التي لم يحل دمها ، قاله أبو عمرو بن العلاء .

السادس : أنها التي لم تعمل الخطايا ، قاله سعيد بن جبير . والقول الثاني : أن بين الزاكية والزكية فرقاً ، وفيه ثلاثة أوجه : أحدها : أن الزاكية في البدن ، والزكية في الدين ، وهذا قول أبي عبيدة .

الثاني : أن الزكية أشد مبالغة من الزاكية ، قاله ثعلب .

الثالث : أن الزاكية التي لم تذنب ، والزكية التي أذنبت ثم تابت فغفر لها ،

قاله أبو عمرو بن العلاء .

{ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً } فيه أربعة أوجه :

أحدها : شيئاً منكراً ، قاله الكلبي .

الثاني : أمراً فظيعاً قبيحاً ، وهذا معنى قول مقاتل .

الثالث : أنه الذي يجب أن ينكر ولا يفعل .

الرابع : أنه أشد من الإِمْر ، قاله قتادة .