قوله تعالى : { يتجرعه } : أي : يتحساه ويشربه ، لا بمرة واحدة ، بل جرعة جرعة ، لمرارته وحرارته ، { ولا يكاد يسيغه } ، و{ يكاد } : صلة ، أي : لا يسيغه ، كقوله تعالى : { لم يكد يراها } [ النور-40 ] أي : لم يرها . قال ابن عباس- رضي الله عنهما- : لا يجيزه . وقيل : معناه يكاد لا يسيغه ، ويسيغه فيغلي في جوفه .
أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أنا محمد بن أحمد بن الحارث ، أنبأنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أنا عبد الله بن محمود ، أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن صفوان بن عمرو ، عن عبيد الله بن بسر ، عن أبي أمامة - رضي الله عنه - " عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : " ويسقى من ماء صديد * يتجرعه " ، قال : يقرب إلى فيه فيكرهه ، فإذا أدني منه شوى وجهه ، ووقعت فروة رأسه فإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره يقول الله عز وجل { وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم } [ محمد-15 ] ويقول { وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه } [ الكهف-29 ] . وقوله عز وجل { ويأتيه الموت من كل مكان } يعني : يجد هم الموت وألمه من كل مكان من أعضائه . قال إبراهيم التيمي : حتى من تحت كل شعره من جسده . وقيل : يأتيه الموت من قدامه ومن خلفه ، ومن فوقه ومن تحته ، وعن يمينه وعن شماله . { وما هو بميت } ، فيستريح ، قال ابن جريج : تعلق نفسه عند حنجرته فلا تخرج من فيه فيموت ، ولا ترجع إلى مكانها من جوفه فتتفعه الحياة . ونظيرها { ثم لا يموت فيها ولا يحيا } [ الأعلى-13 ] . { ومن ورائه } ، أمامه ، { عذاب غليظ } ، شديد ، وقيل : العذاب الغليظ الخلود في النار .
{ يَتَجَرَّعُهُ } من العطش الشديد { وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ } فإنه إذا قرب إلى وجهه شواه وإذا وصل إلى بطنه قطع ما أتى عليه من الأمعاء ، { وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ } أي : يأتيه العذاب الشديد من كل نوع من أنواع العذاب ، وكل نوع منه من شدته يبلغ إلى الموت ولكن الله قضى أن لا يموتوا كما قال تعالى : { لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور وهم يصطرخون فيها }
{ وَمِنْ وَرَائِهِ } أي : الجبار العنيد { عَذَابٌ غَلِيظٌ } أي : قوي شديد لا يعلم وصفه وشدته إلا الله تعالى .
التجرع : تكلف الجَرْع ، والجرع ؛ بلع الماء .
ومعنى { يُسيغه } يفعل سوغه في حلقه . والسوغ ؛ انحدار الشراب في الحلق بدون غصة ، وذلك إذا كان الشراب غير كريه الطعم ولا الريح ، يقال ساغ الشراب ، وشراب سائغ .
ومعنى { لا يكاد يسيغه } لا يقارب أن يسيغه فضلاً عن أن يسيغه بالفعل ، كما تقدم في قوله تعالى : { وما كادوا يفعلون } في سورة البقرة ( 71 ) .
وإتيان الموت : حلوله ، أي حلول آلامه وسكراته ، قال قيس بن الخطيم :
متى يأت هذا الموت لا يلف حاجة *** لنفسي إلا قد قضيت قضاءها
بقرينة قوله : وما هو بميت } ، أي فيستريح .
والكلام على قوله : { ومن وراءه عذاب غليظ } مثل الكلام في قوله : { من ورائه جهنم } ، أي ينتظره عذاب آخر بعد العذاب الذي هو فيه .
والغليظ : حقيقته الخشن الجسم ، وهو مستعمل هنا في القوة والشدة بجامع الوفرة في كل ، أي عذاب ليس بأخف مما هو فيه . وتقدم عند قوله : { ونجيناهم من عذاب غليظ } في سورة هود ( 58 ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.