فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَتَجَرَّعُهُۥ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُۥ وَيَأۡتِيهِ ٱلۡمَوۡتُ مِن كُلِّ مَكَانٖ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٖۖ وَمِن وَرَآئِهِۦ عَذَابٌ غَلِيظٞ} (17)

و{ يتجرعه } في محل جر على أنه صفة لماء ، أو في محل نصب على أنه حال . وقيل : هو استئناف مبنيّ على سؤال . والتجرع التحسي أي : يتحساه مرة بعد مرّة لا مرّة واحدة لمرارته وحرارته { وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ } أي : يبتلعه ، يقال ساغ الشراب في الحلق يسوغ سوغاً : إذا كان سهلاً ، والمعنى : ولا يقارب إساغته ، فكيف تكون الإساغة ؟ بل يغص به فيطول عذابه بالعطش تارة ، ويشربه على هذه الحال أخرى . وقيل : إنه يسيغه بعد شدة وإبطاء ، كقوله : { وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ } [ البقرة : 71 ] أي : يفعلون بعد إبطاء ، كما يدلّ عليه قوله تعالى في آية أخرى { يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ } [ الحج : 20 ] { وَيَأْتِيهِ الموت مِن كُلّ مَكَانٍ } أي : تأتيه أسباب الموت من كل جهة من الجهات . أو من كل موضع من مواضع بدنه . وقال الأخفش : المراد بالموت هنا البلايا التي تصيب الكافر في النار ، سماها موتاً لشدّتها { وَمَا هُوَ بِمَيّتٍ } أي : والحال أنه لم يمت حقيقة فيستريح . وقيل : تعلق نفسه في حنجرته فلا تخرج من فيه فيموت ، ولا ترجع إلى مكانها من جوفه فيحيا ، ومثله قوله تعالى : { لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا } [ الأعلى : 13 ] ، وقيل : معنى { وما هو بميت } لتطاول شدائد الموت به وامتداد سكراته عليه ، والأولى تفسير الآية بعدم الموت حقيقة لما ذكرنا من قوله سبحانه { لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا } وقوله : { لاَ يقضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مّنْ عَذَابِهَا } [ فاطر : 36 ] { وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ } أي من أمامه ، أو من بعده عذاب شديد . وقيل هو الخلود . وقيل حبس النفس .

/خ18