الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{يَتَجَرَّعُهُۥ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُۥ وَيَأۡتِيهِ ٱلۡمَوۡتُ مِن كُلِّ مَكَانٖ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٖۖ وَمِن وَرَآئِهِۦ عَذَابٌ غَلِيظٞ} (17)

{ يَتَجَرَّعُهُ } يتكلف جرعه { وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ } دخل كاد للمبالغة . يعني : ولا يقارب أن يسيغه ، فكيف تكون الإساغة ، كقوله : { لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا } [ النور : 40 ] أي لم يقرب من رؤيتها فكيف يراها { وَيَأْتِيهِ الموت مِن كُلِّ مَكَانٍ } كأنّ أسباب الموت وأصنافه كلها قد تألبت عليه وأحاطت به من جميع الجهات ، تفظيعاً لما يصيبه من الآلام . وقيل : { مِّن كُلِّ مَكَانٍ } من جسده حتى من إبهام رجله . وقيل : من أصل كل شعرة { وَمِن وَرَآئِهِ } ومن بين يديه { عَذَابٌ غَلِيظٌ } أي في كل وقت يستقبله يتلقى عذاباً أشدّ مما قبله وأغلظ . وعن الفضيل : هو قطع الأنفاس وحبسها في الأجساد . ويحتمل أن يكون أهل مكة قد استفتحوا أي استمطروا - والفتح المطر - في سني القحط التي أرسلت عليهم بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يسقوا ، فذكر سبحانه ذلك ، وأنه خيب رجاء كل جبار عنيد وأنه يسقى في جهنم بدل سقياه ماء آخر ، وهو صديد أهل النار . واستفتحوا - على هذا التفسير - : كلام مستأنف منقطع عن حديث الرسل وأممهم .