تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{يَتَجَرَّعُهُۥ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُۥ وَيَأۡتِيهِ ٱلۡمَوۡتُ مِن كُلِّ مَكَانٖ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٖۖ وَمِن وَرَآئِهِۦ عَذَابٌ غَلِيظٞ} (17)

المفردات :

يتجرعه : أي : يتكلف بلعه مرة بعد أخرى من الجرع وهو البلع .

ولا يكاد يسيغه : ولا يقارب أن يبتلعه بسهولة .

التفسير :

{ يتجرعه ولا يكاد يسيغه . . . } .

يكلف شربه ولا يستسيغ ذلك ؛ لمرارته ورداءة طعمه ، ولونه وريحه ، وشدة حرارته ، لكنه يكلف أن يتجرعه جرعة بعد جرعة ، ويسقاه على الرغم من قهرا وقسرا .

روى الإمام أحمد والترمذي والنسائي والحاكم ، وصححه غيرهم : عن أبي أمامة : عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الآية : ( يقرّب إليه فيتكرّهه ؛ فإذا أدنى منه شوى وجهه ، ووقعت فروة رأسه ، فإذا شربه قطع أمعاءه ، حتى يخرج من دبره ) .

يقول الله تعالى : { وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم } . ( محمد : 15 ) .

{ ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت } .

أي : تأتيه أسباب الموت من كل مكان في جسمه ، فكل عضو يعذب عذابا شديدا ، حتى أطراف شعره ، وإبهام رجله .

أوالمراد : تأتيه أسباب الموت من الشدائد ، وأنواع العذاب في كل موضع ، والمراد : أنه يحيط به من جميع الجهات ، من قدامه ومن خلفه ، ومن فوقه ومن تحته ، وعن يمينه وشماله ، في نار جهنم ، ليس منها نوع إلا يأتيه الموت منه لو كان يموت ، لكنه لا يموت ! .

قال تعالى : { والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور } . ( فاطر : 36 ) .

وقال سبحانه : { ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون } . ( الزخرف : 77 ) .

فهم مخلدون في جهنم يستقبلون في كل وقت عذابا أشد وأشق .

{ ومن ورائه عذاب غليظ } . أي : وله من بعد هذه الحال ، عذاب آخر مؤلم أغلظ من الذي قبله .

وعذاب النار وأهوالها متفاوت في شدته ؛ فالنار دركات ، كما أن الجنة درجات ، فلا يستوي في الجزاء كافر عنيد متمرد يسعى في الأرض فسادا ، وكافر مغلوب على أمره .

قال تعالى : { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار } . ( النساء : 145 ) .

روى الشيخان : عن النعمان بن بشير : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة ، لرجل وضع في أخمص9 قدميه جمرة يغلي منها دماغه )10 .