تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَتَجَرَّعُهُۥ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُۥ وَيَأۡتِيهِ ٱلۡمَوۡتُ مِن كُلِّ مَكَانٖ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٖۖ وَمِن وَرَآئِهِۦ عَذَابٌ غَلِيظٞ} (17)

الآية 17 : وقوله تعالى : { يتجرعه } قال أبو عَوسَجة : التجرع ما يشربه [ المرء ]{[9536]} مكرها عليه { ولا يكاد يسيغه } يقال : أسغته ، أي أدخلته{[9537]} في الحلق ، يقال أسغته ، فساغ في حلقه إذا دخل سهلا ، لا يؤذيه .

وقوله تعالى : { ويأتيه الموت من كل مكان } قال قائلون : يأتيهم الغم والهم من كل مكان . وكذلك المتعارف في الخَلق إذا اشتد بهم الغم والهم ، والشدة يقال : كأنك ميت ، أو تموت غما .

وقال بعضهم : { ويأتيه الموت من كل مكان } أي أسباب الموت ما لو كان من قضائه الموت فيها لماتوا لشدة ما يحل بهم ، ولكن قضاءه [ ألا يموتوا ]{[9538]} فيها { وما هو بميت } موت حقيقة ، يستريح من العذاب .

وقوله تعالى : { من كل مكان } قال بعضهم : من كل ناحية من فوق ومن تحت ومن خلف ومن قدام كقوله : { لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل } [ الزمر : 16 ] وقوله : {[9539]} : { لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش } [ الأعراف : 41 ] أخبر أن النار تأتيهم ، وتأخذهم من كل جانب ومن كل جهة .

ويحتمل { من كل مكان } أي من كل سبب من تلك الأسباب التي تأتيهم ما لو كان [ من قضائه ]{[9540]} الموت لماتوا بكل سبب من تلك الأسباب .

وقال بعضهم : أي ليس من موضع من جسده ومن سائر جوارحه إلا الموت يأتيه منها من شدة ما يحل فيهم يجدوا طعم الموت وكربه .

وقوله تعالى : { ومن ورائه } أي من وراء ذلك العذاب { عذاب غليظ } لا ينقطع ، ولا يفتر . وصفه بالغلظ والشدة لدوامه والإياس عن انقطاعه . والله أعلم .


[9536]:ساقطة من الأصل وم.
[9537]:من م، في الأصل: أدخلت.
[9538]:في الأصل وم: أي لا يموتون.
[9539]:في الأصل وم: و.
[9540]:في الأصل وم: قضاه.