السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَتَجَرَّعُهُۥ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُۥ وَيَأۡتِيهِ ٱلۡمَوۡتُ مِن كُلِّ مَكَانٖ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٖۖ وَمِن وَرَآئِهِۦ عَذَابٌ غَلِيظٞ} (17)

{ يتجرّعه } ، أي : يتكلف أن يبتلعه مرّة بعد مرّة لمرارته وحرارته ونتنه { ولا يكاد يسيغه } ، أي : ولا يقدر على ابتلاعه . قال الزمخشري : دخل كاد للمبالغة يعني ولا يقارب أن يسيغه فكيف تكون الإساغة ؟ كقوله تعالى : { لم يكد يراها } [ النور ، 40 ] ، أي : لم يقرب من رؤيتها فكيف يراها ؟ فإن قيل : كيف الجمع على هذا الوجه بين { يتجرّعه } و{ لا يكاد يسيغه } ؟ أجيب بجوابين : أحدهما : أنّ المعنى ولا يسيغ جميعه كأنه يتجرّع البعض وما أساغ الجميع . والثاني : إنّ الدليل الذي ذكر إنما دل على وصول ذلك الشراب إلى جوف ذلك الكافر ؛ لأنّ ذلك ليس بإساغة ؛ لأنّ الإساغة في اللغة إجراء الشراب في الحلق واستطابة المشروب ، والكافر يتجرّع ذلك الشراب على كراهية ولا يسيغه ، أي : لا يستطيبه ولا يشربه شرباً بمرة واحدة ، وعلى هذين الوجهين يصح حمل لا يكاد على نفي المقاربة .

الأمر الثالث : ما ذكره تعالى بقوله تعالى : { ويأتيه الموت } ، أي : أسبابه المقتضية له من أنواع العذاب { من كل مكان } ، أي : من سائر الجهات ، وقيل : من كل مكان من جسده حتى أصول شعره وإبهام رجله . { وما هو بميت } فيستريح . وقال ابن جريج : تتعلق نفسه عند حنجرته فلا تخرج من فيه فيموت ، ولا ترجع إلى مكان من جوفه فتنفعه الحياة .

الأمر الرابع : ما ذكره تعالى بقوله تعالى : { ومن ورائه } ، أي : ومن بين يديه بعد ذلك العذاب { عذاب غليظ } ، أي : شديد كل وقت يستقبله أشدّ مما قبله ، وقيل : هو الخلود في النار ، وقيل : هو قطع الأنفاس وحبسها في الأجساد .