معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَأَنَّا كُنَّا نَقۡعُدُ مِنۡهَا مَقَٰعِدَ لِلسَّمۡعِۖ فَمَن يَسۡتَمِعِ ٱلۡأٓنَ يَجِدۡ لَهُۥ شِهَابٗا رَّصَدٗا} (9)

{ وأنا كنا نقعد منها } من السماء ، { مقاعد للسمع } أي : كنا نستمع ، { فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً } أرصد له ليرمى به . قال ابن قتيبة : إن الرجم كان قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لم يكن مثل ما كان بعد مبعثه في شدة الحراسة ، وكانوا يسترقون السمع في بعض الأحوال ، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم منعوا من ذلك أصلاً .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَأَنَّا كُنَّا نَقۡعُدُ مِنۡهَا مَقَٰعِدَ لِلسَّمۡعِۖ فَمَن يَسۡتَمِعِ ٱلۡأٓنَ يَجِدۡ لَهُۥ شِهَابٗا رَّصَدٗا} (9)

{ وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْع } فنتلقف من أخبار السماء ما شاء الله . { فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا } أي : مرصدا له ، معدا لإتلافه وإحراقه ، أي : وهذا له شأن عظيم ، ونبأ جسيم ، وجزموا أن الله تعالى أراد أن يحدث في الأرض حادثا كبيرا ، من خير أو شر ، فلهذا قالوا :

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَأَنَّا كُنَّا نَقۡعُدُ مِنۡهَا مَقَٰعِدَ لِلسَّمۡعِۖ فَمَن يَسۡتَمِعِ ٱلۡأٓنَ يَجِدۡ لَهُۥ شِهَابٗا رَّصَدٗا} (9)

وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع مقاعد خالية عن الحرس والشهب أو صالحة للترصد والاستماع و للسمع صلة ل نقعد أو صفة ل مقاعد فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا أي شهابا راصدا له ولأجله يمنعه عن الاستماع بالرجم أو ذوي شهاب راصدين على أنه اسم جمع للراصد وقد مر بيان ذلك في الصافات .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَأَنَّا كُنَّا نَقۡعُدُ مِنۡهَا مَقَٰعِدَ لِلسَّمۡعِۖ فَمَن يَسۡتَمِعِ ٱلۡأٓنَ يَجِدۡ لَهُۥ شِهَابٗا رَّصَدٗا} (9)

و { مقاعد } جمع مقعد ، وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم صورة قعود الجن أنهم كانوا واحداً فوق واحد ، فمتى أحرق الأعلى طلع الذي تحته مكانه ، فكانوا يسترقون الكلمة فيلقونها إلى الكهان ويزيدون معها ثم يزيد الكهان بالكلمة مائة كذبة ، وقوله : { فمن يستمع الآن } الآية قطع على أن كل من استمع الآن أحرقه شهاب .

فليس هنا بعد سمع ، إنما الإحراق عند الاستماع ، وهذا يقتضي أن الرجم كان في الجاهلية . ولكنه لم يكن يستأصل وكان الحرس ولكنه لم يكن شديداً ، فلما جاء الإسلام اشتد الأمر حتى لم يكن فيه ولا يسير سماحة ، ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وقد رأى كوكباً راجماً : «ماذا كنتم تقولون لهذا في الجاهلية ؟ » قالوا كنا نقول : ولد ملك ، مات ملك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «ليس الأمر كذلك ، » ثم وصف صورة قعود الجن{[11367]} « . وقد قال عوف بن الجزع وهو جاهلي : [ الكامل ]

فانقض كالدري يتبعه*** نقع يثورُ تخاله طنبا{[11368]}

وهذا في أشعارهم كثير ، و { رصداً } نعت لشهاب ووصفه بالمصدر .


[11367]:هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد عن علي بن الحسين عن ابن عباس رضي الله عنهم، كما أخرجه مسلم من حديث صالح بن كيسان والأوزاعي ويونس، ومعقل بن عبيد الله، أربعتهم عن الزهري، عن علي بن الحسين، عن ابن عباس، عن رجل من الأنصار، كما رواه النسائي في تفسير من حديث الزبيدي، عن الزهري، ورواه الترمذي عن الحسين بن حريث، عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن الزهري، ولفظه كما في مسند أحمد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في نفر من أصحابه – قال عبد الرزاق: من الأنصار- فرمي بنجم فاستنار، فقال صلى الله عليه وسلم: (ما كنتم تقولون إذا كان مثل هذا في الجاهلية)؟ قالوا:كنا نقول: يولد عظيم أو يموت عظيم- قلت للزهري: أكان يرمى بها في الجاهلية؟ قال نعم ولكن غلظت حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم- قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياتهن ولكن ربنا تبارك وتعالى إذا قضى أمرا سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح السماء الدنيا، ثم يستخبر أهل السماء الذين يلون حملة العرش، فيقول الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم، ويخبر أهل كل سماء سماء حتى ينتهي الخبر إلى هذه السماء، وتخطف الجن السمع فيرمون، فما جاءوا به على وجهه فهو حق، ولكنهم يفرقون فيه ويزيدون)، قال الإمام ابن كثير في تفسيره بعد أن أورد الحديث: هكذا رواه الإمام أحمد. وقد روى البخاري عند تفسير قوله تعالى: (حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير) عن عكرمة أنه قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قضى الله تعالى الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال: الحق وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترق السمع ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض- ووصف سفيان بيده فحرفها ونشر أصابعه- فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا، وكذا وكذا؟ فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء)، قال ابن كثير: "انفرد بإخراجه البخاري دون مسلم من هذا الوجه، وقد رواه أبو داود والترمذي، وابن ماجه ، من حديث سفيان بن عيينة به، والله أعلم).
[11368]:هذا البيت لأوس بن حجر، وليس لعوف بن الخرع، وهو في أول قصيدة في ديوان أوس، وهو في وصف ثور وحشي يخوض معركة مع كلاب صيد أطلقها عليه صاحبها، والدري –بضم الدال المشددة أو بكسرها أو بفتحها- هو الكوكب المضيء الثاقب. منسوب إلى الدر –وفيه كلام كثير- ورواية الديوان: دريء، وهو أيضا الكوكب المنقض يدرأ على الشيطان –هكذا قال صاحب اللسان- والنقع: الغبار الثائر اللامع، والطنب: الفسطاط المضروب – الخيمة المنصوبة- وتخاله: تحسبه، يشبه بالكوكب اللامع الذي ينقض من السماء، ويشبه الغبار الذي أثاره في هجومه على الكلاب بالخيمة المنصوبة، أما بيت عوف المقصود فهو قوله: فرد علينا العير من دون إلفه أو الثور كالدري يتبعه الدم
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَأَنَّا كُنَّا نَقۡعُدُ مِنۡهَا مَقَٰعِدَ لِلسَّمۡعِۖ فَمَن يَسۡتَمِعِ ٱلۡأٓنَ يَجِدۡ لَهُۥ شِهَابٗا رَّصَدٗا} (9)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وأنا كنا نقعد منها} يعني من السماء قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم وتحرس السماء.

{مقاعد للسمع فمن يستمع الآن} إلى السماء إذ بعث محمد صلى الله عليه وسلم. {يجد له شهابا} يعني رميا من الكواكب و {رصدا} من الملائكة.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول عزّ وجلّ: وإنا كنا معشر الجنّ نقعد من السماء مقاعد لنسمع ما يحدث، وما يكون فيها،

"فَمَنْ يَسْتَمِع الاَنَ" فيها منا.

"يَجدْ لَهُ شِهابا رَصَدا" يعني: شهاب نار قد رصد له به.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

قيل: الشهاب من الكواكب، والرصد من الملائكة، والأصل في ذلك أن الجن قد حبسوا وقت مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خبر السماء، وكانوا يسترقون السمع قبل ذلك، حتى ينقطع عن الكهنة؛ إذ لا يجوز أن يأتوا بخبر السماء وقت مبعث النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يختلط أمر الكهنة بأمره صلى الله عليه وسلم، فحبسوا عن الصعود إلى السماء وإتيان الخبر عنها حتى ينقطع أمر الكهنة، فجاءهم الرسول بعد ذلك ليعلموا أن ذلك ليس بكهانة، وإنما هو وحي ثابت من السماء؛ إذ لو كان كهانة كان غيره لا يمنع عن مثله كما في سالف الأزمان.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

وفي قوله: {شهابا رصدا} وجوه:

...

...

...

...

...

...

...

...

(وثانيها): قال الفراء: أي شهابا قد أرصد له ليرجم به.

(وثالثها): يجوز أن يكون رصدا أي راصدا، وذلك لأن الشهاب لما كان معدا له، فكأن الشهاب راصد له ومترصد له.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 8]

ويمضي الجن في حكاية ما لقوه وما عرفوه من شأن هذه الرسالة في جنبات الكون، وفي أرجاء الوجود، وفي أحوال السماء والأرض، لينفضوا أيديهم من كل محاولة لا تتفق مع إرادة الله بهذه الرسالة، ومن كل ادعاء بمعرفة الغيب، ومن كل قدرة على شيء من هذا الأمر.

وهذا النفر من الجن يقول: إن استراق السمع لم يعد ممكنا، وإنهم حين حاولوه الآن -وهو ما يعبرون عنه بلمس السماء- وجدوا الطريق إليه محروسا بحرس شديد، يرجمهم بالشهب، فتنقض عليهم وتقتل من توجه إليه منهم. ويعلنون أنهم لا يدرون شيئا عن الغيب المقدر للبشر: (وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا).. فهذا الغيب موكول لعلم الله لا يعلمه سواه. فأما نحن فلا نعلم ماذا قدر الله لعباده في الأرض: قدر أن ينزل بهم الشر. فهم متروكون للضلال، أم قدر لهم الرشد -وهو الهداية- وقد جعلوها مقابلة للشر. فهي الخير، وعاقبتها هي الخير. وإذا كان المصدر الذي يزعم الكهان أنهم يستقون منه معلوماتهم عن الغيب، يقرر أنه هو لا يدري عن ذلك شيئا، فقد انقطع كل قول، وبطل كل زعم، وانتهى أمر الكهانة والعرافة. وتمحض الغيب لله، لا يجترئ أحد على القول بمعرفته، ولا على التنبؤ به. وأعلن القرآن تحرير العقل البشري من كل وهم وكل زعم من هذا القبيل! وأعلن رشد البشرية منذ ذلك اليوم وتحررها من الخرافات والأساطير! وهذا النفر من الجن يقول: إن استراق السمع لم يعد ممكنا، وإنهم حين حاولوه الآن -وهو ما يعبرون عنه بلمس السماء- وجدوا الطريق إليه محروسا بحرس شديد، يرجمهم بالشهب، فتنقض عليهم وتقتل من توجه إليه منهم. ويعلنون أنهم لا يدرون شيئا عن الغيب المقدر للبشر: (وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا).. فهذا الغيب موكول لعلم الله لا يعلمه سواه. فأما نحن فلا نعلم ماذا قدر الله لعباده في الأرض: قدر أن ينزل بهم الشر. فهم متروكون للضلال، أم قدر لهم الرشد -وهو الهداية- وقد جعلوها مقابلة للشر. فهي الخير، وعاقبتها هي الخير. وإذا كان المصدر الذي يزعم الكهان أنهم يستقون منه معلوماتهم عن الغيب، يقرر أنه هو لا يدري عن ذلك شيئا، فقد انقطع كل قول، وبطل كل زعم، وانتهى أمر الكهانة والعرافة. وتمحض الغيب لله، لا يجترئ أحد على القول بمعرفته، ولا على التنبؤ به. وأعلن القرآن تحرير العقل البشري من كل وهم وكل زعم من هذا القبيل! وأعلن رشد البشرية منذ ذلك اليوم وتحررها من الخرافات والأساطير!