{ وأنا كنا } أي : فيما مضى { نقعد منها } أي : السماء { مقاعد } أي : كثيرة قد علمناها لا حرس فيها صالحة { للسمع } أي : أن نسمع منها بعض ما تتكلم به الملائكة مما أمروا بتدبيره ، وقد جاء في الخبر أنّ صفة قعودهم هو أن يكون الواحد منهم فوق الآخر حتى يصلوا إلى السماء ، فكانوا يسترقون الكلمة فيلقونها إلى الكهان فيزيدُونَّ معها الكذب . { فمن يستمع الآن } أي : في هذا الوقت وفيما يستقبل لا أنهم أرادوا وقت قولهم فقط { يجد له } أي : لأجله { شهاباً } أي : شعلة من نار ساطعة تحرقه { رصداً } أي : أرصد به ليرمى به .
تنبيه : اختلفوا هل كانت الشياطين تقذف قبل البعث أو ذلك أمر حدث بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم فقال قوم : لم تكن السماء تحرس في الفترة بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام خمسمائة عام ، وإنما كان من أجل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فلما بعث منعوا من السماوات كلها وحرست بالملائكة والشهب ، وقال عبد الله بن عمر : لما كان اليوم الذي نبئ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم منعت الشياطين ورموا بالشهب ، قال الزمخشري : والصحيح أنه كان قبل البعث وقد جاء شعره في أهل الجاهلية ، قال بشر بن أبي حازم :
والعير يرهقها الغبار وجحشها *** ينقض خلفها انقضاض الكوكب
ولكنّ الشياطين كانت تسترق السمع في بعض الأحوال ، فلما بعث صلى الله عليه وسلم كثر الرجم وازداد زيادة ظاهرة حتى تنبه لها الإنس والجنّ ومنع الاستراق أصلاً .
وعن معمر قلت للزهري : أكان يرمى بالنجوم في الجاهلية ؟ قال : نعم . قلت : أرأيت قوله تعالى : { وأنا كنا نقعد منها مقاعد } ؟ قال : غلظت وشدد أمرها حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم وروى الزهري عن علي بن الحسين عن ابن عباس قال : «بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في نفر من الأنصار إذ رمي بنجم فاستنار ، فقال : «ما كنتم تقولون في مثل هذا في الجاهلية » ؟ فقالوا : كنا نقول يموت عظيم أو يولد عظيم . فقال صلى الله عليه وسلم «إنها لا ترمى لموت أحد ولا لحياته ، ولكن ربنا تبارك وتعالى إذا قضى أمراً في السماء سبح حملة العرش ثم سبح أهل كل سماء حتى ينتهي التسبيح إلى هذه السماء ، فتسأل أهل السماء حملة العرش : ماذا قال ربكم ؟ فيخبرونهم وتخبر أهل كل سماء حتى ينتهي الخبر إلى أهل هذه السماء » . وهذا يدل على أنّ هذه الشهب كانت موجودة قال ابن عادل : وهذا قول الأكثرين .
فإن قيل : كيف تتعرّض الجنّ لاحتراق أنفسها بسبب سماع خبر بعد أن صار ذلك معلوماً لهم ؟ أجيب : بأنَّ الله تعالى ينسيهم ذلك حتى تعظم المحنة . قال القرطبي : والرصد قيل من الملائكة أي ورصداً من الملائكة ، والرصد الحافظ للشيء والجمع أرصاد ، وقيل : الرصد هو الشهاب ، أي : شهاب قد أرصد له ليرجم به فهو فعل بمعنى مفعول .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.