قوله تعالى : " وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا " " منها " أي من السماء ، و " مقاعد " : مواضع يقعد في مثلها لاستماع الأخبار من السماء ، يعني أن مردة الجن كانوا يفعلون ذلك ليستمعوا من الملائكة أخبار السماء حتى يلقوها إلى الكهنة على ما تقدم بيانه ، فحرسها الله تعالى حين بعث رسوله بالشهب المحرقة ، فقالت الجن حينئذ : " فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا " يعني بالشهاب : الكوكب المحرق ، وقد تقدم بيان ذلك . ويقال : لم يكن انقضاض الكواكب إلا بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وهو آية من آياته . واختلف السلف هل كانت الشياطين تقذف قبل المبعث ، أو كان ذلك أمرا حدث لمبعث النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال الكلبي وقال{[15454]} قوم : لم تكن تحرس السماء في الفترة بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما وسلامه : خمسمائة عام ، وإنما كان من أجل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم منعوا من السموات كلها ، وحرست بالملائكة والشهب .
قلت : ورواه عطية العوفي عن ابن عباس ، ذكره البيهقي . وقال عبد الله بن عمر : لما كان اليوم الذي نبئ رسول الله صلى الله عليه وسلم الشياطين ، ورموا بالشهب ، وقال عبد الملك بن سابور : لم تكن السماء تحرس في الفترة بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم حرست السماء ، ورميت الشياطين بالشهب ، ومنعت عن الدنو من السماء . وقال نافع بن جبير : كانت الشياطين في الفترة تسمع فلا ترمى ، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رميت بالشهب . ونحوه عن أبي بن كعب قال : لم يرم بنجم منذ رفع عيسى حتى نبئ رسول الله صلى الله عليه وسلم فرمي بها . وقيل : كان ذلك قبل المبعث ، وإنما زادت بمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إنذارا بحاله ، وهو معنى قوله تعالى : " ملئت " أي زيد في حرسها ، وقال أوس بن حجر وهو جاهلي :
فانْقَضَّ كالدُّرِّي يتبعُه *** نقعٌ يثورُ تخالُه طُنُبَا
وهذا قول الأكثرين . وقد أنكر الجاحظ هذا البيت وقال : كل شعر روي فيه فهو مصنوع ، وأن الرمي لم يكن قبل المبعث . والقول بالرمي أصح ؛ لقوله تعالى : " فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا " . وهذا إخبار عن الجن ، أنه{[15455]} زيد في حرس السماء حتى امتلأت منها ومنهم ؛ ولما روي عن ابن عباس قال : بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس في نفر من أصحابه إذ رمي بنجم ؛ فقال : [ ما كنتم تقولون في مثل هذا في الجاهلية ] ؟ قالوا : كنا نقول يموت عظيم أو يولد عظيم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : [ إنها لا ترمى لموت أحد ولا لحياته ، ولكن ربنا سبحانه وتعالى إذا قضى أمرا في السماء سبح حملة العرش ثم سبح أهل كل سماء ، حتى ينتهي التسبيح إلى هذه السماء ويستخبر أهل السماء حملة العرش ماذا قال ربكم فيخبرونهم ويخبر أهل كل سماء حتى ينتهي الخبر إلى هذه ، فتتخطف الجن فيرمون فما جاؤوا به فهو حق ولكنهم يزيدون فيه ] . وهذا يدل على أن الرجم كان قبل المبعث . وروى الزهري نحوه عن علي بن الحسين عن علي بن أبي طالب عن ابن عباس . وفي آخره قيل للزهري : أكان يرمى في الجاهلية ؟ قال : نعم . قلت : أفرأيت قوله سبحانه : " وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا " قال : غلظت وشدد أمرها حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم . ونحوه قاله القتبي . قال ابن قتيبة : كان ولكن اشتدت الحراسة بعد المبعث ، وكانوا من قبل يسترقون ويرمون في بعض الأحوال ، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم منعت من ذلك أصلا . وقد تقدم بيان هذا في سورة " الصافات " {[15456]} عند قوله : " ويقذفون من كل جانب . دحورا ولهم عذاب واصب " [ الصافات : 8 - 9 ] قال الحافظ : فلو قال قائل : كيف تتعرض الجن لإحراق نفسها بسبب استماع خبر ، بعد أن صار ذلك معلوما لهم ؟ فالجواب : أن الله تعالى ينسيهم ذلك حتى تعظم المحنة ، كما ينسي إبليس في كل وقت أنه لا يسلم ، وأن الله تعالى قال له : " وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين " [ الحجر : 35 ] ولولا هذا لما تحقق التكليف . والرصد : قيل من الملائكة ، أي ورصدا من الملائكة .
والرصد : الحافظ للشيء والجمع أرصاد ، وفي غير هذا الموضع يجوز أن يكون جمعا كالحرس ، والواحد : راصد . وقيل : الرصد هو الشهاب ، أي شهابا قد أرصد له ، ليرجم به ؛ فهو فعل بمعنى مفعول كالخبط والنفض .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.