نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَأَنَّا كُنَّا نَقۡعُدُ مِنۡهَا مَقَٰعِدَ لِلسَّمۡعِۖ فَمَن يَسۡتَمِعِ ٱلۡأٓنَ يَجِدۡ لَهُۥ شِهَابٗا رَّصَدٗا} (9)

ولما أخبروا عن حالها إذ ذاك لأنه الأهم عندهم ، أخبروا عن حالها قبل ، فقالوا مؤكدين لما للإنس من التكذيب{[69061]} بوصول أحد إلى السماء : { وإنا كنا } أي فيما مضى { نقعد منها } أي السماء { مقاعد } أي كثيرة قد علمناها لا حرس فيها فهي صالحة { للسمع } أي لأن نسمع{[69062]} منها بعض ما تتكلم به الملائكة بما أمروا بتدبيره ، وقد جاء في الخبر أن صفة قعودهم هي أن يكون الواحد منهم فوق الآخر حتى يصلوا إلى السماء ، قال أبو حيان{[69063]} : فمتى احترق الأعلى كان الذي تحته مكانه فكانوا يسترقون{[69064]} الكلمة فيلقونها إلى الكهان فيزيدون معها الكذب .

ولما كان التقدير : فنستمع منها فنسمع{[69065]} ما يقدر لنا من غير مانع ، عطف عليه قوله : { فمن يستمع } أي يجتهد في الوصول إلى السمع { الآن } أي في هذا الوقت فيما يستقبل أنهم قسموا الزمان إلى ما كان من إطلاق الاستماع لهم وإلى ما صار إليه الحال من الحراسة ، وأطلقوا " الآن " على الثاني كله ، لأنهم أرادوا وقت قولهم فقط أو أرادوه لأنهم يعلمون ما بعده فيجوزون{[69066]} أن يكون الحال فيه على غير ذلك { يجد له } أي لأجله { شهاباً } أي شعلة من نار{[69067]} ساطعة محرقة .

ولما كان الشهاب في معنى الجمع لأن المراد أن كل موضع منها{[69068]} كذلك ، وصفه باسم الجمع فقال : { رصداً * } أي يرصده الرامون به من غير غفلة ، ويجوز أن يكون مصدراً على المبالغة كرجل عدل ، والرصد الترقب لأنه لما كان لا تأخر {[69069]}عن رميه{[69070]} عند الدنوّ من السماء كان كأنه هو الراصد{[69071]} له ، المراقب{[69072]} لأمره ، الملاحظ الذي لا فتور عنده و{[69073]}لا غفلة بوجه بل هو الرصد وهو المعنى بنفسه ، فمتى تسنم للاستماع رمي به فيمنعه{[69074]} من الاستماع وإن أدركه أحرقه{[69075]} ، وأما السمع فقد امتنع{[69076]} لقوله تعالى { وإنهم عن السمع لمعزولون }[ الشعراء : 212 ] .


[69061]:- زيد من ظ وم.
[69062]:- من ظ وم، وفي الأصل: يسمع.
[69063]:- في البحر المحيط 8/ 349.
[69064]:- من ظ وم والبحر، وفي الأصل: يستمعون.
[69065]:- زيد من ظ وم.
[69066]:- من ظ وم، وفي الأصل: فيجوز.
[69067]:- من ظ وم وفي الأصل: النار.
[69068]:- من ظ وم، وفي الأصل: فيها.
[69069]:- من ظ وم، وفي الأصل: الرمية.
[69070]:- من ظ وم، وفي الأصل: الرمية.
[69071]:- من ظ وم، وفي الأصل: الرصد.
[69072]:- من ظ وم، وفي الأصل: المترقب.
[69073]:- زيد من ظ وم.
[69074]:- من ظ وم، وفي الأصل: فمنعه.
[69075]:- من ظ وم، وفي الأصل: أحقه.
[69076]:- في الأصل بياض ملأناه من ظ وم.