معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱلۡحَجُّ أَشۡهُرٞ مَّعۡلُومَٰتٞۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلۡحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي ٱلۡحَجِّۗ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيۡرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُونِ يَـٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (197)

قوله تعالى : { الحج أشهر معلومات } . أي وقت الحج أشهر معلومات وهي : شوال وذو القعدة وتسع من ذي الحجة ، إلى طلوع الفجر من يوم النحر ، ويروى عن ابن عمر : شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة . وكل واحد من اللفظين صحيح غير مختلف ، فمن قال عشر : عبر به عن الليالي ومن قال تسع عبر به عن الأيام ، فإن آخر أيامها يوم عرفة ، وهو يوم التاسع وإنما قال أشهر : بلفظ الجمع وهي شهران وبعض الثالث ، لأنها وقت ، والعرب تسمي الوقت تاماً بقليله وكثيره . فتقول أتيتك يوم الخميس . وإنما أتاه في ساعة منه ، ويقولون : زرتك العام ، وإنما زاره في بعضه ، وقيل : الاثنان فما فوقهما جماعة . لأن معنى الجمع ضم الشيء إلى شيء ، فإذا جاز أن يسمى الاثنان جماعة جاز أن يسمى الاثنان وبعض الثالث جماعة ، وقد ذكر الله تعالى الاثنين بلفظ الجمع فقال ( فقد صغت قلوبكما ) أي قلباكما ، وقال عروة بن الزبير وغيره : أراد بالأشهر شوالاً وذا القعدة وذا الحجة ، كمالا لأنه يبقى على الحاج أمور بعد عرفة . يجب عليه فعلها مثل : الرمي ، والذبح ، والحلق ، وطواف الزيارة ، والبيتوتة بمنى ، فكانت في حكم الحج .

قوله تعالى : { فمن فرض فيهن الحج } . أي فمن أوجب على نفسه الحج بالإحرام والتلبية . وفيه دليل على أن من أحرم بالحج في غير أشهر الحج لا ينعقد إحرامه بالحج ، وهو قول ابن عباس وجابر وبه قال عطاء وطاووس ومجاهد . وإليه ذهب الأوزاعي والشافعي . وقال سعيد : ينعقد إحرامه بالعمرة ، لأن الله تعالى خص هذه الأشهر بفرض الحج فيها ، فلو انعقد في غيرها لم يكن لهذا التخصيص فائدة ، كما أنه علق الصلوات بالمواقيت ثم من أحرم بفرض الصلاة قبل دخول وقته لا ينعقد إحرامه عن الفرض . وذهب جماعة إلى أنه ينعقد إحرامه بالحج . وهو قول مالك والثوري وأبي حنيفة رضي الله عنه ، وأما العمرة : فجميع أيام السنة لها إلا أن يكون متلبساً بالحج ، وروي عن أنس أنه كان بمكة فكان إذا حمم رأسه خرج فاعتمر .

قوله تعالى : { فلا رفث ولا فسوق } . قرأ ابن كثير وأهل البصرة ، ( فلا رفث ولا فسوق ) بالرفع والتنوين فيهما ، وقرأ الآخرون بالنصب من غير تنوين كقوله تعالى ( ولا جدال في الحج ) وقرأ أبو جعفر كلها بالرفع والتنوين ، واختلفوا في الرفث : قال ابن مسعود وابن عباس وابن عمر : " هو الجماع " وهو قول الحسن ومجاهد وعمرو بن دينار وقتادة وعكرمة والربيع وإبراهيم النخعي ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : الرفث غشيان النساء والتقبيل والغمز ، وأن يعرض لها بالفحش من الكلام قال حصين بن قيس أخذ ابن عباس رضي الله عنه بذنب بعيره فجعل يلويه وهو يحدو ويقول :

وهن يمشين بنا هميسا *** إن تصدق الطير ننك لميسا

فقلت له : أترفث وأنت محرم ؟ فقال : إنما الرفث ما قيل عند النساء ، قال طاووس : الرفث التعريض للنساء بالجماع وذكره بين أيديهن ، وقال عطاء : الرفث قول الرجل للمرأة في حال الإحرام إذا حللت أصبتك ، وقيل : الرفث الفحش والقول القبيح ، أما الفسوق فقد قال ابن عباس : هو المعاصي كلها ، وهو قول طاووس والحسن وسعيد بن جبير وقتادة والزهري والربيع والقرظي ، وقال ابن عمر : هو ما نهي عنه المحرم في حال الإحرام من قتل الصيد وتقليم الأظافر ، وأخذ الأشعار ، وما أشبههما وقال إبراهيم وعطاء ومجاهد ، هو السباب بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم " سباب المسلم فسوق وقتاله كفر " وقال الضحاك هو التنابز بالألقاب بدليل قوله تعالى ( ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ) .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا آدم أخبرنا شعبة ، أخبرنا سيار أبو الحكم قال : سمعت أبا حازم يقول : سمعت أبا هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه " .

قوله تعالى : { ولا جدال في الحج } . قال ابن مسعود وابن عباس : الجدال أي يماري صاحبه ويخاصمه حتى يغضبه ، وهو قول عمرو بن دينار ، وسعيد بن جبير وعكرمة ، والزهري ، وعطاء وقتادة ، وقال القاسم بن محمد : هو أن يقول بعضهم الحج اليوم ، ويقول بعضهم الحج غداً ، وقال القرظي : كانت قريش إذا اجتمعت بمنى قال هؤلاء : حجنا أتم من حجكم ، وقال هؤلاء : حجنا أتم من حجكم . وقال مقاتل : هو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم في حجة الوداع وقد أحرموا بالحج : " اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي " قالوا كيف نجعله عمرة وقد سمينا الحج ؟ " فهذا جدالهم ، وقال ابن زيد : كانوا يقفون مواقف مختلفة كلهم يزعم أن موقفه موقف إبراهيم يتجادلون فيه ، وقيل : هو ما كان عليه أهل الجاهلية ، كان بعضهم يقف بعرفة وبعضهم بالمزدلفة ، وكان بعضهم يحج في ذي القعدة ، وكان بعضهم يحج في ذي الحجة ، فكل يقول : ما فعلته فهو الصواب ، فقال جل ذكره ( ولا جدال في الحج ) أي استقر أمر الحج على ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا اختلاف فيه من بعد ، وذلك معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : " ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض " قال مجاهد معناه : ولا شك في الحج أنه في ذي الحجة فأبطل النسيء . قال أهل المعاني : ظاهر الآية نفي ، ومعناها نهى ، أي لا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا ، كقوله تعالى ( لا ريب فيه ) أي لا ترتابوا .

قوله تعالى : { وما تفعلوا من خير يعلمه الله } . أي لا يخفى عليه فيجازيكم به .

قوله تعالى : { وتزودوا فإن خير الزاد التقوى } . نزلت في ناس من أهل اليمن كانوا يخرجون إلى الحج بغير زاد ويقولون : نحنمتوكلون ، ويقولون : نحن نحج بيت الله أفلا يطعمنا ؟ فإذا قدموا مكة سألوا الناس ، وربما يفضي بهم الحال إلى النهب والغصب ، فقال الله جل ذكره : ( وتزودوا ) أي ما تتبلغون به وتكفون به وجوهكم ، قال أهل التفسير : الكعك والزبيب والسويق والتمر ونحوها ( فإن خير الزاد التقوى ) من السؤال والنهب ( واتقون يا أولي الألباب ) يا ذوي العقول .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلۡحَجُّ أَشۡهُرٞ مَّعۡلُومَٰتٞۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلۡحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي ٱلۡحَجِّۗ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيۡرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُونِ يَـٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (197)

{ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ }

يخبر تعالى أن { الْحَجَّ } واقع في { أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ } عند المخاطبين ، مشهورات ، بحيث لا تحتاج إلى تخصيص ، كما احتاج الصيام إلى تعيين شهره ، وكما بين تعالى أوقات الصلوات الخمس .

وأما الحج فقد كان من ملة إبراهيم ، التي لم تزل مستمرة في ذريته معروفة بينهم .

والمراد بالأشهر المعلومات عند جمهور العلماء : شوال ، وذو القعدة ، وعشر من ذي الحجة ، فهي التي يقع فيها الإحرام بالحج غالبا .

{ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ } أي : أحرم به ، لأن الشروع فيه يصيره فرضا ، ولو كان نفلا .

واستدل بهذه الآية الشافعي ومن تابعه ، على أنه لا يجوز الإحرام بالحج قبل أشهره ، قلت لو قيل : إن فيها دلالة لقول الجمهور ، بصحة الإحرام [ بالحج ] قبل أشهره لكان قريبا ، فإن قوله : { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ } دليل على أن الفرض قد يقع في الأشهر المذكورة وقد لا يقع فيها ، وإلا لم يقيده .

وقوله : { فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ } أي : يجب أن تعظموا الإحرام بالحج ، وخصوصا الواقع في أشهره ، وتصونوه عن كل ما يفسده أو ينقصه ، من الرفث وهو الجماع ومقدماته الفعلية والقولية ، خصوصا عند النساء بحضرتهن .

والفسوق وهو : جميع المعاصي ، ومنها محظورات الإحرام .

والجدال وهو : المماراة والمنازعة والمخاصمة ، لكونها تثير الشر ، وتوقع العداوة .

والمقصود من الحج ، الذل والانكسار لله ، والتقرب إليه بما أمكن من القربات ، والتنزه عن مقارفة السيئات ، فإنه بذلك يكون مبرورا والمبرور ، ليس له جزاء إلا الجنة ، وهذه الأشياء وإن كانت ممنوعة في كل مكان وزمان ، فإنها{[132]}  يتغلظ المنع عنها في الحج .

واعلم أنه لا يتم التقرب إلى الله بترك المعاصي حتى يفعل الأوامر ، ولهذا قال تعالى : { وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ } أتى ب " من " لتنصيص على العموم ، فكل خير وقربة وعبادة ، داخل في ذلك ، أي : فإن الله به عليم ، وهذا يتضمن غاية الحث على أفعال الخير ، وخصوصا في تلك البقاع الشريفة والحرمات المنيفة ، فإنه ينبغي تدارك ما أمكن تداركه فيها ، من صلاة ، وصيام ، وصدقة ، وطواف ، وإحسان قولي وفعلي .

ثم أمر تعالى بالتزود لهذا السفر المبارك ، فإن التزود فيه الاستغناء عن المخلوقين ، والكف عن أموالهم ، سؤالا واستشرافا ، وفي الإكثار منه نفع وإعانة للمسافرين ، وزيادة قربة لرب العالمين ، وهذا الزاد الذي المراد منه إقامة البنية بلغة ومتاع .

وأما الزاد الحقيقي المستمر نفعه لصاحبه ، في دنياه ، وأخراه ، فهو زاد التقوى الذي هو زاد إلى دار القرار ، وهو الموصل لأكمل لذة ، وأجل نعيم دائم أبدا ، ومن ترك هذا الزاد ، فهو المنقطع به الذي هو عرضة لكل شر ، وممنوع من الوصول إلى دار المتقين . فهذا مدح للتقوى .

ثم أمر بها أولي الألباب فقال : { وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ } أي : يا أهل العقول الرزينة ، اتقوا ربكم الذي تقواه أعظم ما تأمر به العقول ، وتركها دليل على الجهل ، وفساد الرأي .


[132]:- في ب: فإنه.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلۡحَجُّ أَشۡهُرٞ مَّعۡلُومَٰتٞۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلۡحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي ٱلۡحَجِّۗ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيۡرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُونِ يَـٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (197)

{ الحج أشهر معلومات } أي وقته . كقولك البرد شهران . { معلومات } معروفات وهي : شوال وذو القعدة وتسعة من ذي الحجة بليلة النحر عندنا ، والعشر عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، وذي الحجة كله عند مالك . وبناء على الخلاف على أن المراد بوقته وقت إحرامه ، أو وقت أعماله ومناسكه ، أو ما لا يحسن فيه غيره من المناسك مطلقا ، فإن مالكا كره العمرة في بقية ذي الحجة . وأبو حنيفة رحمه الله وإن صحح الإحرام به قبل شوال فقد استكرهه . وإنما سمي شهران وبعض شهر أشهرا إقامة للبعض مقام الكل ، أو إطلاقا للجمع على ما فوق الواحد . { فمن فرض فيهن الحج } فمن أوجبه على نفسه بالإحرام فيهن عندنا ، أو بالتلبية أو سوق الهدي عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وهو دليل على ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله تعالى وأن من أحرم بالحج لزمه الإتمام . { فلا رفث } فلا جماع ، أو فلا فحش من الكلام . { ولا فسوق } ولا خروج عن حدود الشرع بالسيئات وارتكاب المحظورات . { ولا جدال } ولا مراء مع الخدم والرفقة . { في الحج } في أيامه ، نفي الثلاثة على قصد النهي للمبالغة وللدلالة على أنها حقيقة بأن لا تكون ، وما كانت منها مستقبحة في أنفسها ففي الحج أقبح كلبسة الحرير في الصلاة . والتطريب بقراءة القرآن لأنه خروج عن مقتضى الطبع والعادة إلى محض العبادة . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والأولين بالرفع على معنى : لا يكونن رفث ولا فسوق . والثالث بالفتح على معنى إلا خبار بانتفاء الخلاف في الحج ، وذلك أن قريشا كانت تحالف سائر العرب فتقف بالمشعر الحرام ، فارتفع الخلاف بأن أمروا أن يقفوا أيضا بعرفة . { وما تفعلوا من خير يعلمه الله } حث على الخير عقب به النهي عن الشر ليستدل به ويستعمل مكانه . { وتزودوا فإن خير الزاد التقوى } وتزودوا لمعادكم فإنه خير زاد ، وقيل : نزلت في أهل اليمن كانوا يحجون ولا يتزودون ويقولون : نحن متوكلون فيكونون كلا على الناس ، فأمروا أن يتزودوا ويتقوا الإبرام في السؤال والتثقيل على الناس ، { واتقون يا أولي الألباب } فإن قضية اللب خشية الله وتقواه ، حثهم على التقوى ثم أمرهم بأن يكون المقصود بها هو الله تعالى فيتبرأ من كل شيء سواه ، وهو مقتضى العقل المعري عن شوائب الهوى فلذلك خص أولي الألباب بهذا الخطاب .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلۡحَجُّ أَشۡهُرٞ مَّعۡلُومَٰتٞۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلۡحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي ٱلۡحَجِّۗ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيۡرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُونِ يَـٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (197)

{ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ }( 197 )

وقوله تعالى : { الحج أشهر معلومات } ، في الكلام حذف تقديره : أشهر الحج أشهر ، أو : وقت الحج أشهر ، أو : وقت عمل الحج أشهر( {[1850]} ) ، والغرض إنما هو أن يكون الخبر عن الابتداء هو الابتداء نفسه( {[1851]} ) ، والحج ليس بالأشهر فاحتيج إلى هذه التقديرات ، ومن قدر الكلام : الحج في أشهر ، فيلزمه مع سقوط حرف الجر نصب الأشهر ، ولم يقرأ بنصبها أحد( {[1852]} ) .

وقال ابن مسعود وابن عمر وعطاء والربيع ومجاهد والزهري : أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة كله .

وقال ابن عباس والشعبي والسدي وإبراهيم : هي شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة ، والقولان لمالك رحمه الله ، حكى الأخير ابن حبيب ، وجمع على هذا القول الأخير الاثنان وبعض الثالث( {[1853]} ) كما فعلوا في جمع عشر فقالوا عشرون لعشرين ويومين من الثالث( {[1854]} ) ، وكما قال امرؤ القيس : [ الطويل ]

ثلاثون شهراً في ثلاثةِ أَحْوَال( {[1855]} ) . . . فمن قال إن ذا الحجة كله من أشهر الحج لم ير دماً فيما يقع من الأعمال بعد يوم النحر لأنها في أشهر الحج ، وعلى القول الآخر ينقضي الحج بيوم النحر ويلزم الدم فيما عمل بعد ذلك( {[1856]} ) .

وقوله تعالى : { فمن فرض فيهن الحج } أي من ألزم نفسه( {[1857]} ) ، وأصل الفرض الحز الذي يكون في السهام والقسي وغيرها ، ومنه فرضة النهر والجبل ، فكأن من التزم شيئاً وأثبته على نفسه قد فرضه ، وفرض الحج هو بالنية والدخول في الإحرام ، والتلبية تبع لذلك ، و { من } رفع بالابتداء ، ومعناها الشرط ، والخبر قوله { فرض } لأن { من } ليست بموصولة فكأنه قال فرجل فرض ، وقوله { فلا رفث } يحتمل أن يكون الخبر ، وتكون { فرض } صفة( {[1858]} ) .

وقوله تعالى : { فيهن } ولم يجيء الكلام فرض فيها : فقال قوم : هما سواء في الاستعمال .

وقال أبو عثمان المازني( {[1859]} ) : «الجميع الكثير لما لا يعقل يأتي كالواحدة المؤنثة ، والقليل ليس كذلك ، تقول الأجذاع انكسرن والجذوع انكسرت »( {[1860]} ) ، ويؤيد ذلك قوله تعالى : { إن عدة الشهور }( {[1861]} ) [ التوبة : 36 ] ، ثم قال : { منها } ، وقرأ نافع «فلا رفثَ ولا فسوقَ ولا جدالَ » بنصب الجميع ، وهي قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «فلا رفثٌ ولا فسوقٌ ولا جدالَ » بالرفع في الاثنين ونصب الجدال ، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع بالرفع في الثلاثة ، ورويت عن عاصم في بعض الطرق( {[1862]} ) ، و { لا } بمعنى ليس في قراءة الرفع( {[1863]} ) وخبرها محذوف على قراءة أبي عمرو( {[1864]} ) ، و { في الحج } خبر { لا جدال } وحذف الخبر هنا هو مذهب أبي علي ، وقد خولف في ذلك ، بل { في الحج } هو خبر الكل ، إذ هو في موضع رفع في الوجهين( {[1865]} ) ، لأن { لا } إنما تعمل على بابها فيما يليها وخبرها مرفوع باق على حاله من خبر الابتداء( {[1866]} ) ، وظن أبو علي أنها بمنزلة ليس في نصب الخبر ، وليس كذلك ، بل هي والاسم في موضع الابتداء يطلبان الخبر ، و { في الحج } هو الخبر في قراءة كلها بالرفع وفي قراءتها بالنصب( {[1867]} ) ، والتحرير أن { في الحج } في موضع نصب بالخبر المقدر كأنك قلت موجود في الحج ، ولا فرق بين الآية وبين قولك زيد في الدار .

وقال ابن عباس وابن جبير والسدي وقتادة ومالك ومجاهد وغيرهم : الرفث الجماع .

وقال عبد الله بن عمر وطاوس وعطاء وغيرهم : الرفث الإعراب والتعريب( {[1868]} ) ، وهو الإفحاش بأمر الجماع عند النساء خاصة ، وهذا قول ابن عباس أيضاً ، وأنشد وهو محرم :

وَهُنَّ يَمْشينَ بِنَا هَمِيساً . . . إنْ تَصْدُقِ الطِّيْرُ نَنِكْ لَمِيسَا

فقيل له : ترفث وأنت محرم ؟ فقال : إنما الرفث ما كان عند النساء( {[1869]} ) وقال قوم : الرفث الإفحاش بذكر النساء كان ذلك بحضرتهن أم لا ، وقد قال ابن عمر للحادي : «لا تذكر النساء » .

قال القاضي أبو محمد : وهذا يحتمل أن تحضر امرأة فلذلك نهاه ، وإنما يقوي القول من جهة ما يلزم من توقير الحج .

وقال أبو عبيدة : «الرفث اللغا من الكلام » ، وأنشد :

وَرُبَّ أَسْرَابِ حَجِيجٍ كُظُمِ . . . عَنِ اللَّغَا وَرَفَثِ التَّكَلُّمِ( {[1870]} )

قال القاضي أبو محمد : ولا حجة في البيت ، وقرأ ابن مسعود «ولا رفوث » .

وقال ابن عباس وعطاء والحسن وغيرهم : الفسوق المعاصي كلها لا يختص بها شيء دون شيء .

وقال ابن عمر وجماعة معه : الفسوق المعاصي في معنى الحج كقتل الصيد وغيره( {[1871]} ) .

وقال ابن زيد ومالك : الفسوق الذبح للأصنام ، ومنه قول الله تعالى : { أو فسقاً أهل لغير الله به }( {[1872]} ) [ الأنعام : 145 ] .

وقال الضحاك : الفسوق التنابز بالألقاب ، ومنه قول الله تعالى : { بئس الاسم الفسوق }( {[1873]} ) [ الحجرات : 11 ] .

وقال ابن عمر أيضاً ومجاهد وعطاء وإبراهيم : الفسوق السباب ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر »( {[1874]} ) .

قال القاضي أبو محمد : وعموم جميع المعاصي أولى الأقوال .

وقال قتادة وغيره : الجدال هنا السباب .

وقال ابن مسعود وابن عباس وعطاء ومجاهد : الجدال هنا أن تماري مسلماً حتى تغضبه .

وقال مالك وابن زيد : الجدال هنا أن يختلف الناس أيهم صادف موقف إبراهيم عليه السلام كما كانوا يفعلون في الجاهلية حين كانت قريش تقف في غير موقف سائر العرب ثم يتجادلون بعد ذلك .

وقال محمد بن كعب القرظي : الجدال أن تقول طائفة حجنا أبر من حجكم وتقول الأخرى مثل ذلك .

وقالت فرقة : الجدال هنا أن تقول طائفة : الجح اليوم وتقول طائفة بل الحج غداً ، وقيل : الجدال كان في الفخر بالآباء .

وقال مجاهد وجماعة معه : الجدال أن تنسىء العرب الشهور حسبما كان النسيء عليه ، فقرر الشرع وقت الحج وبينه ، وأخبر أنه حتم لا جدال فيه ، وهذا أصح الأقوال وأظهرها ، والجدال مأخوذ من الجدل وهو الفتل ، كأن كل مجادل يفاتل( {[1875]} ) صاحبه في الكلام .

وأما ما كان النسيء عليه فظاهر سير ابن إسحاق وغيرها من الدواوين أن الناسىء كان يحل المحرم لئلا تتوالى على العرب ثلاثة أشهر لا إغارة فيها ، ويحرم صفر ، وربما سموه المحرم ، وتبقى سائر الأشهر بأسمائها حتى يأتي حجهم في ذي الحجة على الحقيقة ، وأسند الطبري عن مجاهد أنه قال : كانوا يسقطون المحرم ثم يقولون صفران لصفر وشهر ربيع الأول ، ثم كذلك ينقلون أسماء الشهور ، ويتبدل وقت الحج في الحقيقة ، لكنه يبقى في ذي الحجة بالتسمية لا في حقيقة الشهر ، قال : فكان حج أبي بكر سنة تسع في ذي القعدة على الحقيقة( {[1876]} ) ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة عشر في ذي الحجة على الحقيقة ، وحينئذ قال : «إن الزمان قد استدار » الحديث( {[1877]} ) ، ونزلت { ولا جدال في الحج } أي قد تبين أمره فلا ينتقل شهر البتة أبداً .

وقوله تعالى : { وما تفعلوا من خير يعلمه الله } المعنى فيثيب عليه ، وفي هذا تخصيص على فعل الخير .

وقوله تعالى : { وتزودوا } الآية ، قال ابن عمر وعكرمة ومجاهد وقتادة وابن زيد : نزلت الآية في طائفة من العرب كانت تجيء إلى الحج بلا زاد ويقول بعضهم : نحن المتوكلون ، ويقول بعضهم : كيف نحج بيت الله ولا يطعمنا ، فكانوا يبقون عالة على الناس ، فنهوا عن ذلك وأمروا بالتزود .

وقال بعض الناس : المعنى تزودوا الرفيق الصالح ، وهذا تخصيص ضعيف ، والأولى في معنى الآية : وتزودوا لمعادكم من الأعمال الصالحة( {[1878]} ) ، وفي قوله تعالى : { فإن خير الزاد التقوى } حض على التقوى ، وخص أولو الألباب بالخطاب وإن كان الأمر يعم الكل لأنهم الذين قامت عليهم حجة الله وهم قابلو أوامره ، والناهضون بها ، وهذا على أن اللب لب( {[1879]} ) التجارب وجودة النظر ، وإن جعلناه لب التكليف فالنداء ب { أولي الألباب } عام لجيمع المكلفين ، واللب العقل ، تقول العرب لبُبْت بضم الباء الأولى ألُب بضم اللام ، حكاه سيبويه ، وليس في الكلام فعل يفعل بضم العين فيهما غير هذه الكلمة( {[1880]} ) .


[1850]:- والحذف إما في المبتدأ كما قدر ابن عطية، أو في الخبر: ويكون التقدير الحج حج أشهر معلومات.
[1851]:- أي في المعنى لأن الوقت هو الشهر، وليس الحج شهرا.
[1852]:- الذي عند البصريين أن ظرف الزمان إذا كان نكرة خبرا عن مصدر يجوز رفعه إتباعا، وعليه فلا يلزم نصبه.
[1853]:- هذا من باب إطلاق الكل على البعض، وهذا شائع في لغة العرب، تقول: رأيتك سنة كذا، وإنما رأيته في يوم منها مثلا.
[1854]:- في لسان العرب، قال الليث: قلت للخليل: ما معنى العشرين ؟ قال جماعة عشر، قلت فالعشر كم يكن ؟ قال: تسعة أيام، قلت: فعشرون إنما عشران ويومان قال: لما كان من العشر الثالث يومان جمعته بالعشرين. قلت: وإن لم يستوعب الجزء الثالث ؟ قال: نعم. ألا ترى إلى قول أبي حنيفة: إذا طلقها تطليقتين وعشر تطليقة فإنه يجعلها ثلاثا وإنما من الطلقة الثالثة فيه جزء فالعشرون هذا قياسه. ا هـ.
[1855]:- البيت هو: وهل يَنْعَمْنَ مَنْ كَانَ أَحْدَثُ عَهْــدِهِ ثَلاَثِينَ شَهْراً في ثلاثَةِ أَحْــوَالِ وانظر ابن عطية عند قوله تعالى: [والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين].
[1856]:- أشار بهذا إلى ثمرة الخلاف في أشهر الحج، هل هي: ثلاثة أشهر كاملة، أو شهران وعشر ذي الحجة.
[1857]:- وقال ابن عباس رضي الله عنه: فرض فيهن الحج: أي أحرم به فيهن، ومآل القولين واحد. وفي "المعجم الوسيط" فرض الشيء – فيه – فرضا: حزّ فيه حزّأ، يقال: فرض الأمر: أوجبه – يقال: فرضه عليه: كتبه عليه- وله: خصّه به، وفي التنزيل العزيز [ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له].
[1858]:- هذا أظهر مما قبله وأفيد. قال (ح): وهذه الجملة في موضع جواب الشرط إن كانت (من) شرطية، وفي موضع الخبر إن كانت (مِنْ) شرطية، وفي موضع الخبر إن كانت (مِنْ) موصولة، وعلى كلا التقديرين لا بد من رابط يربط بين الجملة الشرطية أو الجملة الخبرية فيجب تقديره. انظره.
[1859]:- هو أبو عثمان بكر بن محمد المازني النحوي البصري المشهور، كان إماما في النحو والأدب، أخذ عن أبي عبيدة الأصمعي والأخفش، وهو أستاذ للمبرد، وقد قيل عنه: لم يكن أحد بعد سيبويه أعلم بالنحو من المازني – توفي سنة 249هـ.
[1860]:- قوله: «الأجذاع انكسرت» عائد على الجمع القليل، وقوله «والجذوع انكسرت» عائد على الجمع الكثير، فهو لف ونشر غير مرتب.
[1861]:- من الآية (36) من سورة (التوبة).
[1862]:- قال الإمام ابن العربي في أحكامه: قوله تعالى: [فلا رفث ولا فسوق] أراد نفيه مشروعا لا موجودا، فإنا نجد الرفث فيه ونشاهده، وخبر الله لا يقع بخلاف مخبره ا هـ.، وقال غيره: الآية بمعنى النهي. وقراءة ابن كثير وأبي عمرو برفع (رفث وفسوق) إنما هي بالرفع مع التنوين كما نص عليه (ح) في البحر المحيط.
[1863]:- قال (ح): «وهذا الذي جوزه وجزم به ابن عطية ضعيف لأن إعمال لا عمل (ليس) قليل جدا لم يجئ منه في لسان العرب إلا مالا بال له، والذي يحفظ من ذلك قوله: تعَزَّ فلا شيْءٌ على الأرض باقِيَــا ولا وزَرٌ مِمَّـا قَضى الله واقِيــا وقول النابغة الجعدي: وحَلَّت سَواد القلْـب لا أنا باغِيــا سِواها ولا في حُبِّهَـا مُتَرَاخِيــا
[1864]:- قال (ح) تعقيبا على ذلك: «وقد نصّ الناس على أن خبر كان وأخواتها ومنها (ليس) لا يجوز حذفه لا اختصارا ولا اقتصارًا، ثم ذكروا أنه قد حذف خبر ليس في الشعر في قوله: .................................. يرجو جوارك حين ليس مجيــر على طريق الضرورة أو الندور، وما كان كذلك فلا يحمل القرآن عليه.
[1865]:- يعني بهما كونها بمعنى ليس، وكونها مبنية مع (لا)، قال (ح) وهذا لا يصح لأنها إذا كانت بمعنى ليس احتاجت إلى خبر منصوب، وإذا بنيت مع (لا) احتاجت إلى خبر مرفوع. انظره.
[1866]:- هذا تعليل لكون [في الحج] خبر للكل إذ هي في موضع رفع في الوجهين على ما ذهب إليه. وذلك لا يجوز لأنها إذا كانت بمعنى (ليس) كان خبرها في موضع نصب – ولا يناسب هذا التعليل إلا كونها تعمل عمل (إن) فقط على مذهب سيبويه.
[1867]:- ظن أبي علي صحيح، والدليل على ذلك أن العرب جاءت بخبر (لا) التي بمعنى (ليس) منصوبا في أشعارها فدل ذلك على أن ما فهمه أبو علي صحيح، انظر أبا حيان في مناقشاته لابن عطية.
[1868]:- يقال عرب وأعرب إذا أفحش في القول، ومنه لا تحل العرابة للمحرم.
[1869]:- قول ابن عباس رضي الله عنه: (ننك لميسا) صريح في الجماع مع أن مثل ذلك يكني عنه لقبحه ولكنه لما جاء بقصد البيان والفرق بين ما يكره وما لا يكره سهل أمره، وكأنه رأى مظنة ذلك الاعتقاد فنفاه بذلك القول الصريح بيانا لمعنى قوله تعالى: [فلا رفث ولا فسوق] الآية، ومتى كان الشيء للبيان كان مطلوبا غير محظور. وقد سبق ذكر هذا الشاهد.
[1870]:- تقدم هذا البيت بتمامه مع بيان معناه، وهو للعجاج.
[1871]:- على ما قاله ابن عباس ومن معه، وابن عمر ومن معه يكون الفسوق جمعا لا مصدرا، وعلى ما قال غيرهما يكون مصدرا لا جمعا.
[1872]:- من الآية (145) من سورة (الأنعام).
[1873]:- من الآية (11) من سورة (الحجرات).
[1874]:- هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي. ورواه أحمد في مسنده.
[1875]:- أي يخاتله ويخادعه.
[1876]:- هذا قول مجاهد، وقد رده الحافظ ابن كثير، والقسطلاني بقوله تعالى : [وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر]. وقد نودي بهذا في حجة أبي بكر، فلو لم يكن حجه في ذي الحجة لما قال تعالى: (يوم الحجّ الأكبر).
[1877]:- أخرجه البخاري، ومسلم، والإمام أحمد، عن أبي بكرة الثقفي، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الزمان قد استدار كهيئته) الخ أن السنة قد عاد الحج فيها إلى ذي الحجة بسبب استدارتها. فحجة الوداع كانت على حساب السنة التي استقامت ورجعت إلى الأصل الموضوع يوم خلق الله السموات والأرض، وهذا من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم إذ أخبر بأمر دقيق وهو مسامته رأس الحمل لأول قسم من أقسام الفلك الأطلس وهو نقطة الاعتدال الربيعي، فأخبر صلى الله عليه وسلم بذلك في الزمن الذي وقعت فيه المسامتة المذكورة، فصار الأمر من ذلك الوقت – في عدة الشهور وفي تحريم ما هو محرم منها على ما سبق في كتاب الله من العدد والتوالي لا على ما كانت تفعله العرب من فعلهم تحريم بعضها بالنسيء عن بعض، والله أعلم.
[1878]:- قيل: المراد بالزاد الزاد الظاهر، وهو سبب النزول كما قاله ابن عمر، وعكرمة، وغيرهما، وقيل: المراد الزاد الباطن، وقال ابن عطية: وهذا هو الأولى في معنى الآية، أي لأنه المناسب، فقد جمعت الآية الزاد الظاهر والزاد الباطن، وذلك من زينة القرآن الباطنة المضافة إلى زينة ألفاظه الظاهرة، وقوله تعالى: [فإن خير الزاد التقوى] معناه: اتقاء كل ما فيه إثم، ومن ذلك إراقة ماء الوجه، والتطلع إلى ما في أيدي الناس، مع التملق والتذلل لهم والاعتماد عليهم، وكالتساهل في أداء الصلوات وعدم التحري في المأكولات، فعلى المرء أن يرضى بحاله، وألا يتبع هوى نفسه، حتى يكون العمل لله لا لغيره، فإذا أوجب الله عليك أمرا فافعل ما دام في وسعك أن تفعل، وإذا أسقطه عنك فاترك ولا تحرص.
[1879]:- اللَّبّ هو العقل، والعقل إما تجريبي وإما تكليفي، فإن نظرنا إلى المعنى الأول فأولوا الألباب خصوص، وإن نظرنا إلى المعنى الآخر فأولوا الألباب عموم.
[1880]:- أي مضاعفا، وهذا هو الوصف الذي يجعل هذه الكلمة لا نظير لها في اللغة العربية، ولعلّ هذا القيد سقط من الكلام، انظر القاموس والمصباح.