{ الحج أشهر } أي : وقته كقولك البرد شهران { معلومات } وهي شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة إلى طلوع الفجر من يوم النحر عندنا ، والعشر كله عند أبي حنيفة وذو الحجة كله عند مالك ، وعلى الأوّلين إنما سمي شهرين وبعض شهر أشهراً إقامة للبعض مقام الكلّ ، وإطلاقاً للجمع على ما فوق الواحد كما في قوله تعالى : { فقد صغت قلوبكما } ( التحريم ، 4 ) لحفصة وعائشة .
{ فمن فرض } على نفسه { فيهنّ الحج } بالإحرام به عندنا أو بالتلبية أو بسوق الهدي عند أبي حنيفة ، وفيه دليل على أنّ من أحرم بالحج في غير أشهر الحج لا ينعقد إحرامه بالحج ، وهو قول ابن عباس وجماعة من الصحابة ، وإليه ذهب الأوزاعي والشافعيّ ، وقال : ينعقد إحرامه عمرة ؛ لأنّ الله تعالى خص هذه الأشهر بفرض الحج فيها ، فلو انعقد في غيرها لم يكن لهذا التخصيص فائدة ، كما أنه تعالى علق الصلاة بالمواقيت ، ثم من أحرم بفرض الصلاة قبل دخول وقته لم ينعقد إحرامه عن الفرض ، وإنما انعقد عمرة لأنّ الإحرام شديد التعلق ، وذهب جماعة إلى أنه ينعقد إحرامه بالحج وهو قول مالك والثوري وأبي حنيفة ، أما العمرة فجميع السنة وقت لها إلا أن يكون عليه بقية من أعمال الحج كالرمي .
{ فلا رفث } أي : جماع فيه كما قال ابن عباس وجماعة من الصحابة ، وقيل : الرفث غشيان النساء والقبلة والغمز وأن يعرض لها بالفحش من الكلام ، وقيل : هو الفحش والقول القبيح .
{ ولا فسوق } أي : ولا خروج عن حدود الشرع بالسيئات وارتكاب المحظورات وقيل : هو السباب والتنابز بالألقاب { ولا جدال } أي : خصام مع الخدم والرفقة وغيرهما { في الحج } أي : في أيامه ، فنفى الثلاث على قصد النهي للمبالغة وللدلالة على أنها حقيقة بأن لا تكون وما كان منها مستقبحاً في نفسه ، ففي الحج أقبح كلبس الحرير في الصلاة ، والتطريب بقراءة القرآن ، وهو مدّ الصوت وتحسينه بحيث يخرج الحروف عن هيأتها ، فإنه يقبح في كل كلام لكنه في قراءة القرآن أقبح ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو برفع الثاء من رفث والقاف من فسوق ، والتنوين فيهما على معنى لا يكون رفث ولا فسوق والباقون بنصبهما ولا خلاف في { ولا جدال } فالجميع بالنصب ولا تنوين على معنى الإخبار ، كأنه قيل : ولا شك ولا خلاف في الحج ، وذلك أنّ قريشاً كانت تخالف سائر العرب فتقف بالمشعر الحرام وسائر العرب يقفون بعرفة وكانوا يقدّمون الحج سنة ويؤخرونه سنة وهو النسيء ، فرد إلى وقت واحد ورد الوقوف إلى عرفة ، فأخبر الله تعالى أنه قد ارتفع الخلاف في الحج ، واستدل على أنّ المنهي عنه هو الرفث والفسوق دون الجدال بقوله صلى الله عليه وسلم : ( من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج كهيئة يوم ولدته أمه ) فإنه لم يذكر الجدال { وما تفعلوا من خير } كصدقة { يعلمه الله } فيه حث على الخير حيث عقب به النهي عن الشر وأن يستعملوا مكان القبيح من الكلام الحسن ، ومكان الفسوق : البر والتقوى ، ومكان الجدال : الوفاق والأخلاق الجميلة { وتزوّدوا فإنّ خير الزاد التقوى } أي : وتزوّدوا لمعادكم التقوى فإنها خير زاد ، روى البخاري وغيره أنّ أهل اليمن كانوا يخرجون إلى الحج بغير زاد ويقولون : نحن متوكلون ، ونحن نحج بيت الله تعالى أفلا يطعمنا فيكونون كلاً على الناس فيسألونهم ، وربما يفضي الحال بهم إلى النهب والغصب ، فقال الله جل ذكره : { وتزوّدوا } أي : ما تتبلغون به وتكفون به وجوهكم ، قال أهل التفسير : الكعك والزيت والسويق والتمر ونحوها ، { فإن خير الزاد التقوى } أي : ما يتقي به سؤال الناس وغيره .
{ واتقون يا أولي الألباب } أي : يا ذوي العقول فإن قضية اللب خشية الله تعالى وتقواه وحثهم على التقوى ، ثم أمرهم بأن يكون المقصود بها هو الله تعالى فيتبرأ من كل شيء سواه ، وهو مقتضى العقل العريّ عن شوائب الهوى فلذلك خص أولي الألباب بهذا الخطاب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.