الآية 197 وقوله تعالى : ( الحج أشهر معلومات ) ؛ عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال : ( الحج أشهر معلومات ) : ( شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة ) [ السيوطي في الدر المنثور : 1/ 52 ] وعن ابن عباس رضي لله عنه وعن الحسن{[2315]} والشعبي ومجاهد وجويبر [ وإبراهيم وعطاء ]{[2316]} مثله . وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال : ( إنها شوال وذو القعدة وذو الحجة ) ونرى أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أراد ما أراده الأولون ؛ لأنه لا يبقى بعد أيام منى [ شيء ]{[2317]} من مناسك الحج ، فكيف تكون الأيام التي{[2318]} بعد النفر من أيام الحج ، لا عمل فيها للحجاج ؟
ثم المسألة فيمن يحرم بالحج قبل أشهر الحج ؟ وهل يجوز إحرامه ؟ عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : " من سنة الحج ألا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج " [ الحاكم في المستدرك : 1/448 ] . وعن جابر رضي الله عنه أنه قال : ( لا يحرم بالحج قبل أشهر الحج ) [ السيوطي في الدر المنثور : 1/526 ] . فأصحابنا ، رحمهم الله ، يكرهون الإحرام قبل أشهر الحج ، واتبعوا في كراهيتهم ما روي عن السلف : النهي عن ذلك . لكنهم يقولون : ( إن أحرم يجوز ) ، واحتج بعض أصحابنا في ذلك بأن قال : للحج ميقات ووقت ، وأجمعوا أن من أحرم بالحج قبل الميقات فإحرامه صحيح . وقال بعضهم : ( أشهر معلومات ) الأشهر كلها ، كقوله تعالى : ( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا ) [ التوبة : 36 ] [ وفي الأشهر ]{[2319]} كلها . وهي معلومة ، كقوله تعالى : ( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ) [ البقرة : 189 ] ؛ فإن كان هذا تأويل الآية ففيه دليل جواز الإحرام بالحج في الأشهر كلها .
وقال آخرون : ( الحج أشهر معلومات ) أي ( أشهر معلومات ) ؛ وهو ما ذكرنا من قول جماعة من السلف ، قالوا : ( إنها شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة ) غير أنه يتوجه وجهين :
أحدهما : أن لفعل الحج ( أشهر معلومات ) دليله قوله [ تعالى ]{[2320]} : ( فمن فرض فيهن الحج ) سماه حجا بأبعد{[2321]} مسبب الإلزام ، فثبت أن ما بعد الإحرام حج .
والوجه الثاني : أن للحج ( أشهر معلومات ) لا يدل فيها غيره ، ثم أدخل فيها العمرة رخصة . دليله قوله [ عليه السلام ]{[2322]} : " دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ، وشبك بين أصابعه " [ مسلم : 1241 ] ؛ فيكون معناه : إن للحج أشهرا{[2323]} ، أي لفعله ( أشهر معلومات ) ، والله أعلم .
وقوله : ( فمن فرض فيهن الحج ) اختلف فيما به فرض{[2324]} الحج ؛ قال بعضهم : إذا نوى الحج صار محرما ؛ لبى ، أو لم يلب ، وقال آخرون : إذا نوى أن يعمل بجميع ما أمر ، وأن ينتهي عن جميع ما نهى صار بذلك محرما . وأما عندنا فإن تأويل قوله : ( فمن فرض فيهن الحج ) أي لبى فيهن بالحج . دليله ما روي عن ابن مسعود وابن عباس وابن عمر ، رضوان الله تعالى عنهم أجميعن ، أنهم قالوا : ( فمن فرض فيهن الحج ) أي لبى . وأما بالنية مجردا فإنه لا يكون محرما . وما روي أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنه قال لعائشة رضوان الله عنها وقد رآها حزينة . مالك ؟ فقالت : أنا قضيت عمرتي ، وألفاني الحج عاركا ، فقال : ذلك شيء كتبه الله تعالى على بنات آدم ، فحجي ، وقولي ما يقول المسلمون في حجهم " [ مسلم : 1211/119 ] .
فبين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضوان الله عنها باتباعهم فيها . وعن عائشة رضوان الله عنها أنها قالت : ( لا يحرم إلا من أهل ، ولبى ) . فدلت هذه الأحاديث النبوية على أن التلبية فرض الحج ، وعن هؤلاء الأئمة وأمثالهم [ نأخذ الدين منهم ]{[2325]} ، فلا تجوز مخالفتهم ولا العدول عن سبيلهم .
وقال أصحابنا ، رحمهم الله [ إن خرج رجل ]{[2326]} مع بدنته ، وقلدها ، ونوى الإحرام ، فهو محرم ، [ ويقوم ]{[2327]} ذلك الفعل منه مقام التلبية والحجة . لذلك " إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه ، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، في حجته لما أمرهم أن يحلوا العمرة ، فقالوا [ له ]{[2328]} : إنك لم تحل قال : " إني قلدت الهدي ، فلا أحل من إحرامي إلى يوم النحر " [ البخاري : 1566 ] . وقال : " لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي " [ البخاري : 7229 ] . فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي منعه من الحل تقليده الهدي ، وأن ذلك قام مقام الإحرام لو جدده بعد الطواف .
وروي عن علي وعبد الله [ بن مسعود ]{[2329]} وجابر رضوان الله عنهم أنهم قالوا : ( إذا قلد فقد أحرم ) ، وكذلك قال [ عبد الله ]{[2330]}بن عباس رضوان الله عنه ( إذا قلد ، ويريد الحج والعمرة ، فقد أحرم ) ، وما روي عن عائشة رضوان الله عليها( لا يحرم إلا من أهل ، ولبى ) ؛ فذلك عندنا في الذي يقلد ، ولا يخرج معها ، لا يصير محرما . ألا نرى ما روي عن عائشة رضوان الله عنها أنها قالت : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث بهديه ، ويقيم ، فلا يحرم عليه شيء ) ؟ .
وقوله : ( فلا رفث ) ؛ قيل : الرفث جميع حاجات الرجال إلى النساء ، وقال ابن عباس : ( الرفث : الجماع ) ، [ وعن عبد الله ]{[2331]} بن عمر رضي الله عنه مثله . وأجمع أهل العلم أن المحرم لا يجوز له أن يقبل امرأته ، ولا يمسها بشهوة ، ويوجبون على من فعل ذلك دما . روي عن ابن عمر رضي الله عنه : ( إذا باشر المحرم امرأته أهرق دما ) ، وعن علي رضي الله عنه ( إذا قبل المحرم امرأته فعليه دم ) . وسئلت عائشة رضي الله عنها عما يحل للمحرم من امرأته ؟ فقالت : ( يحرم عليه كل شيء سوى الكلام ) .
وقوله : ( ولا فسوق ) ؛ قيل : الفسوق : السب ، وقيل : هو كل فسق ، حقيقة ، الخروج من أمر الله تعالى ، قال الله تعالى : ( ففسق عن أمر ربه ) [ الكهف : 50 ] أي خرج .
وقوله : ( ولا جدال في الحج ) ؛ قيل : [ الجدال ]{[2332]} : المراء ؛ وذلك أن العرب كانت تؤخر الأشهر الحرم ، وتعجل ؛ وفي ذلك نزل قوله : ( إنما النسيء زيادة في الكفر ) [ التوبة : 37 ] ، فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " إن السنة قد استدارت كهيئتها يوم خلق السماوات والأرض ، فعلى ذلك استدار وقت الحج إلى حيث جعل ؛ لا يتقدم أبدا ، ولا يتأخر ، فلا تماروا فيه " [ بنحوه البخاري : 4662 ] . وعن ابن عباس رضي الله عنه [ أنه ]{[2333]} قال : ( لا تجادل صاحبك ، حتى تغضبه ) . وأشبه الأمور ، والله أعلم ، بتأويل الآية أن الله عز وجل أمر بحفظ اللسان والفرج في الإحرام عن كل ما يذكر من فسوق ومعصية ومجادلة ومخاصمة ، وعن الرفث بالفعل والقول ؛ لأنه يروى أن الفضل بن العباس كان روق النبي صلى الله عليه وسلم وكان الفتى يلاحظ النساء ، فينظر إليهن ، فجعل{[2334]} النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجهه بيده من خلقه ، فقال النبي " إن هذا يوم : من ملك سمعه وبصره ولسانه غفر له " [ الطبراني في الكبير : 12974 ] وكما قال . وروي عنه أنه قال : " من حج فلم يرفث ، ولم يفسق ، رجع كيوم ولدته أمه " [ البخاري : 1521 ] .
وقوله : ( وما تفعلوا من خير يعلمه الله ) ويجزه ، ترغيب منه في كل خير . وقوله : ( وتزودوا ) قيل : تزودوا للحج والعمرة ما تكفون به وجوهكم عن المسألة ، ولا تخرجوا بلا زاد لتكنوا عيالا على الناس . ويحتمل أن يكون الأمر بالتزود للمعاد ؛ يدل عليه قوله : ( فإن خير الزاد التقوى ) ؛ يقول : إن تقوى الله خير من زاد الدنيا .
وقوله : ( واتقون يا أولي الألباب ) ؛ يحتمل ( واتقون ) المعاصي والمناهي وكل فسق ، ويحتمل على التقديم والتأخير ؛ كأنه قال : تزودوا يا أولي الألباب ، واتقوني في المسألة من الناس .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.