بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{ٱلۡحَجُّ أَشۡهُرٞ مَّعۡلُومَٰتٞۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلۡحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي ٱلۡحَجِّۗ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيۡرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُونِ يَـٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (197)

{ الحج أَشْهُرٌ معلومات } ، أي وقت الحج أشهر معلومات وهو : شوال وذو القعدة وعشرة من ذي الحجة . { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحج } ؛ قال القتبي : الفرض وجوب الشيء ، يقال : فرضت عليك كذا ، أي أوجبته . قال الله تعالى : { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } ، أي ما ألزمتم أنفسكم ، وقال : { يا أيها النبي إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أزواجك اللاتي ءَاتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ الله عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عماتك وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خالاتك اللاتي هاجرن مَعَكَ وامرأة مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِ إِنْ أَرَادَ النبى أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ المؤمنين قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فى أزواجهم وَمَا مَلَكَتْ أيمانهم لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً }

[ الأحزاب : 50 ] ، وقال تعالى : { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحج } ، أي فمن أحرم في هذه الأشهر بالحج ، { فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ } . قرأ ابن كثير وأبو عمرو : «فَلاَ رِفْثٌ وَلاَ فُسُوقٌ » بالرفع مع التنوين ، والباقون بالنصب بغير تنوين . واتفقوا في قوله : { وَلاَ جِدَالَ } بالنصب ؛ غير أبي جعفر المدني فإنه قرأ بالرفع . وهذا يقال له : لا التبرية ؛ فكل موضع يدخل فيه لا التبرية ، فصاحبه بالخيار إن شاء نصبه بغير تنوين ، وإن شاء ضمه بالتنوين مثل قوله : { يا أيها الذين آمنوا أَنفِقُواْ مِمَّا رزقناكم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شفاعة والكافرون هُمُ الظالمون } [ البقرة : 254 ] .

وتفسير الرفث هو الجماع كقوله : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصيام الرفث إلى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ الله أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فالآن باشروهن وابتغوا مَا كَتَبَ الله لَكُمْ وَكُلُواْ واشربوا حتى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخيط الأبيض مِنَ الخيط الأسود مِنَ الفجر ثُمَّ أَتِمُّواْ الصيام إِلَى اليل وَلاَ تباشروهن وَأَنتُمْ عاكفون فِي المساجد تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَقْرَبُوهَا كذلك يُبَيِّنُ الله آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } [ البقرة : 187 ] ؛ وقال بعضهم : الرفث : التعرض بذكر النساء ، والفسوق : هو السباب ، والجدال : أن تماري صاحبك حتى تغيظه . أي من كان محرماً لا يجامع في إحرامه ولا يسب ولا يماري . ويقال : الفسوق الذبح للأصنام . كقوله تعالى : { قُل لاَ أَجِدُ فِى مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ فَمَنِ اضطر غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ الأنعام : 145 ] ، والجدال هو أن قريشاً كانت تقف بالمزدلفة وكانوا يجادلون كل فريق يقولون : نحن أصوب سبيلاً . وروي عن مجاهد أنه قال : قد استقر الحج في ذي الحجة ، فلا جدال فيه ؛ وذلك أن المشركين كانوا يحجون عامين في ذي القعدة وعامين في ذي الحجة ، فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، بعث أبا بكر ليحج بالناس فوافق ذلك آخر عام ذي القعدة ؛ فلما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع ، وافق ذلك أول عام في ذي الحجة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أَلا إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ الله السموات وَالأَرْضَ " يعني رجع أمر الحج إلى ذي الحجة كما كان ، فنزل : { وَلاَ جِدَالَ فِي الحج } .

ثم قال : { وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ } ، يعني من ترك الفسوق والمرأة والجدال . { يَعْلَمْهُ الله } ، أي يقبله الله فيجازيكم به . { وَتَزَوَّدُواْ } في سفركم للحج والعمرة ما تكفون به وجوهكم عن المسألة .

{ فَإِنَّ خَيْرَ الزاد التقوى } . قال مقاتل وذلك أن أناساً من أهل اليمن كانوا يخرجون بغير زاد ، ويصيبون من أهل الطريق ظلماً ، فنزلت في شأنهم { وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزاد التقوى } . وقال بعضهم : تزودوا لسفر الدنيا بالطعام ، وتزودوا لسفر الآخرة بالتقوى { فإن خير الزاد التقوى } ويقال { خير الزاد } التقوى ، هو التوكل على الله وأن لا يؤذي أحدٌ لأجل الزاد والطعام . ثم قال : { واتقون يأُوْلِي الالباب } ، يعني اطيعوني يا ذوي الألباب أي العقول فيما أمرتكم به .