قوله : { الحج أَشْهُرٌ } فيه حذف ، والتقدير : وقت الحج أشهر ، أي : وقت عمل الحج . وقيل التقدير : الحج في أشهر ، وفيه أنه يلزم النصب مع حذف حرف الجر لا الرفع . قال الفراء : الأشهر رفع ؛ لأن معناه وقت الحج أشهر معلومات ، وقيل التقدير : الحج حج أشهر معلومات . وقد اختلف في الأشهر المعلومات ، فقال ابن مسعود ، وابن عمر ، وعطاء ، والربيع ، ومجاهد ، والزهري : هي شوّال ، وذو القعدة ، وذو الحجة كله ، وبه قال مالك . وقال ابن عباس ، والسدي ، والشعبي ، والنخعي : هي شوّال ، وذو القعدة ، وعشر من ذي الحجة ، وبه قال أبو حنيفة ، والشافعي ، وأحمد ، وغيرهم . وقد روي أيضاً عن مالك . ويظهر فائدة الخلاف فيما وقع من أعمال الحج بعد يوم النحر ، فمن قال إن ذا الحجة كله من الوقت لم يلزمه دم التأخير ، ومن قال : ليس إلا العشر منه ، قال يلزم دم التأخير .
وقد استدل بهذه الآية من قال : إنه لا يجوز الإحرام بالحج قبل أشهر الحج ، وهو عطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأبو ثور قالوا : فمن أحرم بالحج قبلها أحلّ بعمرة ، ولا يجزيه عن إحرام الحج ، كمن دخل في صلاة قبل وقتها ، فإنها لا تجزيه . وقال أحمد ، وأبو حنيفة : إنه مكروه فقط . وروي نحوه عن مالك ، والمشهور عنه جواز الإحرام بالحج في جميع السنة من غير كراهة . وروي مثله عن أبي حنيفة . وعلى هذا القول ينبغي أن ينظر في فائدة توقيت الحج بالأشهر المذكورة في الآية . وقد قيل : إن النص عليها لزيادة فضلها . وقد روي القول بجواز الإحرام في جميع السنة عن إسحاق بن راهويه ، وإبراهيم النخعي ، والثوري ، والليث بن سعد ، واحتج لهم بقوله تعالى : { يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأهلة قُلْ هِىَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ والحج } فجعل الأهلة كلها مواقيت للحج ، ولم يخص الثلاثة الأشهر ، ويجاب بأن هذه الآية عامة ، وتلك خاصة ، والخاص مقدّم على العام . ومن جملة ما احتجوا به القياس للحج على العمرة ، فكما يجوز الإحرام للعمرة في جميع السنة ، كذلك يجوز للحج ، ولا يخفى أن هذا القياس مصادم للنصّ القرآني ، فهو باطل ، فالحق ما ذهب إليه الأوّلون ، إن كانت الأشهر المذكورة في قوله : { الحج أَشْهُرٌ } مختصة بالثلاثة المذكورة بنص ، أو إجماع ، فإن لم يكن كذلك ، فالأشهر جمع شهر ، وهو من جموع القلة يتردد ما بين الثلاثة إلى العشرة ، والثلاثة هي المتيقنة ، فيجب الوقوف عندها . ومعنى قوله : { معلومات } أن الحج في السنة مرة واحدة في أشهر معلومات من شهورها ، ليس كالعمرة ، أو المراد معلومات ببيان النبي صلى الله عليه وسلم ، أو معلومات عند المخاطبين لا يجوز التقدّم عليها ، ولا التأخير عنها .
قوله : { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحج } أصل الفرض في اللغة : الحزّ والقطع ، ومنه فرضة القوس ، والنهر ، والجبل ، ففرضية الحج لازمة للعبد الحر ، كلزوم الحزّ للقوس ؛ وقيل : معنى فرض : أبان ، وهو أيضاً يرجع إلى القطع ؛ لأن من قطع شيئاً فقد أبانه عن غيره . والمعنى في الآية : فمن ألزم نفسه فيهنّ الحج بالشروع فيه بالنية قصداً باطناً ، وبالإحرام فعلاً ظاهراً ، وبالتلبية نطقاً مسموعاً . وقال أبو حنيفة : إن إلزامه نفسه يكون بالتلبية ، أو بتقليد الهدي ، وسوقه ، وقال الشافعي : تكفي النية في الإحرام بالحج . والرفث : قال : ابن عباس ، وابن جبير ، والسدي ، وقتادة ، والحسن ، وعكرمة ، والزهري ، ومجاهد ، ومالك : هو الجماع . وقال ابن عمر ، وطاوس ، وعطاء ، وغيرهم : الرفث : الإفحاش بالكلام . قال أبو عبيدة : الرفث : اللغاء من الكلام ، وأنشد :
وربّ أسراب حَجِيج كُظَّم *** عن اللغا وَرَفَث التَّكَلُّم
يقال : رفث يرفث بكسر الفاء ، وضمها .
والفسوق : الخروج عن حدود الشرع . وقيل : هو الذبح للأصنام . وقيل : التنابز بالألقاب . وقيل : السباب . والظاهر أنه لا يختص بمعصية معينة ، وإنما خصصه من خصصه بما ذكر باعتبار أنه قد أطلق ، على ذلك الفرد اسم الفسوق ، كما قال سبحانه في الذبح للأصنام : { أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ } [ الأنعام : 145 ] .
وقال في التنابز : { بِئْسَ الاسم الفسوق } [ الحجرات : 11 ] . وقال صلى الله عليه وسلم في السباب : «سباب المسلم فسوق » ولا يخفى على عارف أن إطلاق اسم الفسوق على فرد من أفراد المعاصي لا يوجب اختصاصه به .
والجدال مشتق من الجدل ، وهو القتل ، والمراد به هنا : المماراة ، وقيل : السباب ، وقيل : الفخر بالآباء ، والظاهر الأوّل . وقد قرئ بنصب الثلاثة ورفعها ، ورفع الأوّلين ، ونصب الثالث ، وعكس ذلك ، ومعنى النفي لهذه الأمور : النهي عنها .
وقوله : { وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمهُ الله } حثّ على الخير بعد ذكر الشرّ ، وعلى الطاعة بعد ذكر المعصية ، وفيه أن كل ما يفعلونه من ذلك ، فهو معلوم عند الله لا يفوت منه شيء . وقوله : { وَتَزَوَّدُوا } فيه الأمر باتخاذ الزاد ؛ لأن بعض العرب كانوا يقولون : كيف نحجّ بيت ربنا ، ولا يطعمنا ؟ فكانوا يحجون بلا زاد ، ويقولون : نحن متوكلون على الله سبحانه ، وقيل : المعنى تزوّدوا لمعادكم من الأعمال الصالحة { فَإِنَّ خَيْرَ الزاد التقوى } والأوّل أرجح كما يدل على ذلك سبب نزول الآية ، وسيأتي وقوله : { فَإِنَّ خَيْرَ الزاد التقوى } إخبار بأن خير الزاد اتقاء المنهيات ، فكأنه قال : اتقوا الله في إتيان ما أمركم به من الخروج بالزاد ، فإن خير الزاد التقوى ، وقيل : المعنى فإن خير الزاد ما اتقى به المسافر من الهلكة ، والحاجة إلى السؤال ، والتكفف ، وقوله : { واتقون يا أُولِي الألباب } فيه التخصيص لأولي الألباب بالخطاب بعد حثّ جميع العباد على التقوى ؛ لأن أرباب الألباب هم القابلون لأوامر الله الناهضون بها ، ولبّ كل شيء خالصه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.