النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{ٱلۡحَجُّ أَشۡهُرٞ مَّعۡلُومَٰتٞۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلۡحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي ٱلۡحَجِّۗ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيۡرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُونِ يَـٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (197)

قوله تعالى : { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُوماتٌ } اختلفوا في تأويله على ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنه شوال ، وذو القعدة ، [ وذو الحجة ] بأسرها ، وهذا قول قتادة ، وطاوس ، ومجاهد ، عن ابن عمر [ وهو مذهب ] مالك .

والثاني : هو شوال ، وذو القعدة ، وعشرة أيام من ذي الحجة ، وهذا قول أبي حنيفة .

والثالث : هو شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة ، إلى طلوع الفجر من يوم النحر ، وهو قول ابن عباس ، ومجاهد ، والشعبي ، والسدي ، ونافع ، عن ابن عمر ، وعطاء ، والضحاك ، والشافعي .

ثم قال تعالى : { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ } فيه تأويلان :

أحدهما : أنه الإهلال بالتلبية ، وهو قول عمر ومجاهد وطاوس .

والثاني : أنه الإحرام ، وهو قول ابن عباس والحسن وقتادة وعطاء ، والشافعي .

{ فَلاَ رَفَثَ } فيه ثلاثة تأويلات :

أحدها : أنه الجماع ، وهو قول ابن عمر ، والحسن ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، وقتادة ، والزهري .

والثاني : أنه الجماع أو التعرض له بمُوَاعَدَةٍ أو مُدَاعَبَةٍ ، وهو قول الحسن البصري .

والثالث : أنه الإفْحَاشُ للمرأة في الكلام ، كقولك إذا أحللنا فعلنا بك كذا من غير كناية ، وهو قول ابن عباس ، وطاوس .

{ وَلاَ فُسُوقَ } فيه خمسة تأويلات :

أحدها : أنه فِعْلُ ما نُهِيَ عنه في الإحرام ، من قتل صيد ، وحلق شَعْر ، وتقليم ظفر ، وهو قول عبد الله بن عمر .

والثاني : أنه السباب{[290]} ، وهو قول عطاء ، والسدي .

والثالث : أنه الذبح للأصنام ، وهو قول عبد الرحمن بن زيد .

والرابع : التنابز بالألقاب ، وهو قول الضحاك .

والخامس : أنه المعاصي{[291]} كلها ، وهو قول ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وطاوس .

{ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِ } فيه ستة تأويلات :

أحدها : هو أن يجادل الرجل صاحبه ، يعني يعصيه ، وهذا قول ابن عباس ومجاهد .

الثاني : هو السباب ، وهو قول ابن عمر وقتادة .

والثالث : أنه المِرَاءُ والاختلاف فِيمَنْ هو أَبَرُّهُم{[292]} حَجّاً ، وهذا قول محمد بن كعب .

والرابع : أنه اختلاف كان يقع بينهم في اليوم الذي يكون فيه حجهم ، وهذا قول القاسم بن محمد .

والخامس : أنه اختلافهم في مواقف الحج ، أيهم المصيب موقف إبراهيم ، وهذا قول ابن زيد .

والسادس : أن معناه ألاّ جدال في وقته لاستقراره ، وإبطال الشهر الذي كانوا ينسؤونه{[293]} في كل عام ، فربما حجوا في ذي القعدة ، وربما حجوا في صفر ، وهذا قول أبي جعفر الطبري .

وفي قوله تعالى : { وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى } تأويلان :

أحدهما : تزوّدوا بالأعمال الصالحة ، فإن خير الزاد التقوى .

والثاني : أنها نزلت في قوم من أهل اليمن ، كانوا يحجون ولا يتزودون ، ويقولون : نحن المتوكلون ، فنزلت فيهم : { وَتَزَوَّدُوا } ، يعني من الطعام .


[290]:- ومنه الحديث: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر.
[291]:- وهذا هو الأصح لأنه يتناول جميع الأقوال المتقدمة، قال عليه الصلاة والسلام من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه.
[292]:- في الأصول: فيما هو أبينهم، ويبدو أنه تحريف من النساخ، والتصويب عن تفسير القرطبي.
[293]:-نسأ ينسأ مثل قطع يقطع وهو بمعنى آخر، والشهر منسوء ونسيء أي مؤخر.