معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوۡمِۭ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٌ أَوۡ جَآءُوكُمۡ حَصِرَتۡ صُدُورُهُمۡ أَن يُقَٰتِلُوكُمۡ أَوۡ يُقَٰتِلُواْ قَوۡمَهُمۡۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمۡ عَلَيۡكُمۡ فَلَقَٰتَلُوكُمۡۚ فَإِنِ ٱعۡتَزَلُوكُمۡ فَلَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ وَأَلۡقَوۡاْ إِلَيۡكُمُ ٱلسَّلَمَ فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ عَلَيۡهِمۡ سَبِيلٗا} (90)

قوله تعالى : { إلا الذين يصلون إلى قوم } . وهذا الاستثناء يرجع إلى القتل لا إلى الموالاة ، لأن موالاة الكفار والمنافقين لا تجوز بحال ، ومعنى { يصلون } أي : ينتسبون إليهم ، ويتصلون بهم ، ويدخلون فيهم بالحلف ، والجوار . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : أراد يلجأون إلى قوم .

قوله تعالى : { بينكم وبينهم ميثاق } أي : عهد ، وهم الأسلميون ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وادع هلال بن عويمر الأسلمي قبل خروجه إلى مكة على أن لا يعينه ولا يعين عليه ، ومن وصل إلى هلال من قومه وغيرهم ، ولجأ إليه فلهم من الجوار مثل ما لهلال ، وقال الضحاك عن ابن عباس : أراد بالقوم الذين بينكم وبينهم ميثاق ، بني بكر بن زيد بن مناة كانوا في الصلح والهدنة ، وقال مقاتل : هم خزاعة . قوله تعالى :{ أو جاؤوكم } أي : يتصلون بقوم جاؤوكم .

قوله تعالى : { حصرت صدورهم } أي : ضاقت صدورهم ، قرأ الحسن ويعقوب : " حصرت " منصوبة منونة ، أي : ضيقة صدورهم ، يعني القوم الذين جاؤوكم وهم بنو مدلج ، كانوا عاهدوا قريشا أن لا يقاتلوا المسلمين ، وعاهدوا قريشاً أن لا يقاتلوهم . قوله تعالى : { أن يقاتلوكم } أي : عن قتالكم للعهد الذي بينكم .

قوله تعالى : { أو يقاتلوا قومهم } ، يعني : من آمن منهم ، ويجوز أن يكون معناه أنهم لا يقاتلونكم مع قومهم ، ولا يقاتلون قومهم معكم ، يعني قريشاً قد ضاقت صدورهم لذلك . وقال بعضهم : " أو " بمعنى الواو ، كأنه يقول : إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاؤوكم حصرت صدورهم ، أي : قد حصرت صدورهم عن قتالكم والقتال معكم ، وهم قوم هلال الأسلميون ، وبنو بكر ، نهى الله سبحانه عن قتال هؤلاء المرتدين إذا اتصلوا بأهل عهد للمسلمين ، لأن من انضم إلى قوم ذوي عهد فله حكمهم في حقن الدماء .

قوله تعالى : { ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم } ، يذكر منته على المسلمين بكف بأس المعاهدين ، يقول : إن ضيق صدورهم عن قتالكم لما ألقى في قلوبهم من الرعب ، وكفهم عن قتالكم ، ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم مع قومهم .

قوله تعالى : { فإن اعتزلوكم } أي : اعتزلوا قتالكم .

قوله تعالى : { فلم يقاتلوكم } ، ومن اتصل بهم ، ويقال : يوم فتح مكة لم يقاتلوكم مع قومهم .

قوله تعالى : { وألقوا إليكم السلم } أي : الصلح فانقادوا واستسلموا .

قوله تعالى : { فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً } أي : طريقاً بالقتل والقتال .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوۡمِۭ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٌ أَوۡ جَآءُوكُمۡ حَصِرَتۡ صُدُورُهُمۡ أَن يُقَٰتِلُوكُمۡ أَوۡ يُقَٰتِلُواْ قَوۡمَهُمۡۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمۡ عَلَيۡكُمۡ فَلَقَٰتَلُوكُمۡۚ فَإِنِ ٱعۡتَزَلُوكُمۡ فَلَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ وَأَلۡقَوۡاْ إِلَيۡكُمُ ٱلسَّلَمَ فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ عَلَيۡهِمۡ سَبِيلٗا} (90)

ثم إن الله استثنى من قتال هؤلاء المنافقين ثلاث فِرَق :

فرقتين أمر بتركهم وحتَّم [ على ] ذلك ، إحداهما{[220]}  من يصل إلى قوم بينهم وبين المسلمين عهد وميثاق بترك القتال فينضم إليهم ، فيكون له حكمهم في حقن الدم والمال .

والفرقة الثانية قوم { حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ } أي : بقوا ، لا تسمح أنفسهم بقتالكم ، ولا بقتال قومهم ، وأحبوا ترك قتال الفريقين ، فهؤلاء أيضا أمر بتركهم ، وذكر الحكمة في ذلك في قوله : { وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ } فإن الأمور الممكنة ثلاثة أقسام :

إما أن يكونوا معكم ويقاتلوا أعداءكم ، وهذا متعذر من هؤلاء ، فدار الأمر بين قتالكم مع قومهم وبين ترك قتال الفريقين ، وهو أهون الأمرين عليكم ، والله قادر على تسليطهم عليكم ، فاقبلوا العافية ، واحمدوا ربكم الذي كف أيديهم عنكم مع التمكن من ذلك .

فهؤلاء { إن اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا }

الفرقة الثالثة : قوم يريدون مصلحة أنفسهم بقطع النظر عن احترامكم ، وهم الذين قال الله فيهم : { سَتَجِدُونَ آخَرِينَ } أي : من هؤلاء المنافقين . { يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ } أي : خوفا منكم { وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّمَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا } أي : لا يزالون مقيمين على كفرهم ونفاقهم ، وكلما عرض لهم عارض من عوارض الفتن أعماهم ونكسهم على رءوسهم ، وازداد كفرهم ونفاقهم ، وهؤلاء في الصورة كالفرقة الثانية ، وفي الحقيقة مخالفة لها .

فإن الفرقة الثانية تركوا قتال المؤمنين احترامًا لهم لا خوفا على أنفسهم ، وأما هذه الفرقة فتركوه خوفا لا احتراما ، بل لو وجدوا فرصة في قتال المؤمنين ، فإنهم مستعدون{[221]}  لانتهازها ، فهؤلاء إن لم يتبين منهم ويتضح اتضاحًا عظيمًا اعتزال المؤمنين وترك قتالهم ، فإنهم يقاتلون ، ولهذا قال : { فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ } أي : المسالمة والموادعة { وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا } أي : حجة بينة واضحة ، لكونهم معتدين ظالمين لكم تاركين للمسالمة ، فلا يلوموا إلا أنفسهم .


[220]:- كذا في ب، وفي أ: أحدها.
[221]:- في ب: سيقدمون.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوۡمِۭ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٌ أَوۡ جَآءُوكُمۡ حَصِرَتۡ صُدُورُهُمۡ أَن يُقَٰتِلُوكُمۡ أَوۡ يُقَٰتِلُواْ قَوۡمَهُمۡۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمۡ عَلَيۡكُمۡ فَلَقَٰتَلُوكُمۡۚ فَإِنِ ٱعۡتَزَلُوكُمۡ فَلَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ وَأَلۡقَوۡاْ إِلَيۡكُمُ ٱلسَّلَمَ فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ عَلَيۡهِمۡ سَبِيلٗا} (90)

{ إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق } استثناء من قوله فخذوهم واقتلوهم أي : إلا الذين يتصلون وينتهون إلى قوم عاهدوكم ، ويفارقون محاربتكم . والقوم هم خزاعة . وقيل : هم الأسلميون فإنه عليه الصلاة والسلام وادع وقت خروجه إلى مكة هلال بن عويمر الأسلمي على أن لا يعينه ولا يعين عليه ، ومن لجأ إليه فله من الجوار مثل ماله ، وقيل بنو بكر بن زيد مناة .

{ أو جاؤوكم } عطف على الصلة ، أي أو الذين جاؤوكم كافين عن قتالكم وقتال قومهم ، استثنى من المأمور بأخذهم وقتلهم من ترك المحاربين فلحق بالمعاهدين ، أو أتى الرسول صلى الله عليه وسلم وكف عن قتال الفريقين ، أو على صفة وكأنه قيل : إلا الذين يصلون إلى قوم معاهدين ، أو قوم كافين عن القتال لكم وعليكم . والأول أظهر لقوله فإن اعتزلوكم . وقرئ بغير العاطف على أنه صفة بعد صفة أو بيان ليصلون أو استئناف .

{ حصرت صدورهم } حال بإضمار قد ويدل عليه أنه قرئ " حصرة صدورهم " وحصرات صدورهم ، أو بيان لجاءوكم وقيل صفة محذوف أي جاؤوكم قوما حصرت صدورهم ، وهم بنو مدلج جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مقاتلين والحصر الضيق والانقباض .

{ أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم } أي عن أن أو لأن أو كراهة أن يقاتلوكم . { ولو شاء الله لسلطهم عليكم } بأن قوى قلوبهم وبسط صدورهم وأزال الرعب عنهم . { فلقاتلوكم } ولم يكفوا عنكم . { فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم } فإن لم يتعرضوا لكم . { وألقوا إليكم السلم } الاستسلام والانقياد . { فما جعل الله لكم عليهم سبيلا } فما أذن لكم في أخذهم وقتلهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوۡمِۭ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٌ أَوۡ جَآءُوكُمۡ حَصِرَتۡ صُدُورُهُمۡ أَن يُقَٰتِلُوكُمۡ أَوۡ يُقَٰتِلُواْ قَوۡمَهُمۡۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمۡ عَلَيۡكُمۡ فَلَقَٰتَلُوكُمۡۚ فَإِنِ ٱعۡتَزَلُوكُمۡ فَلَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ وَأَلۡقَوۡاْ إِلَيۡكُمُ ٱلسَّلَمَ فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ عَلَيۡهِمۡ سَبِيلٗا} (90)

كان هذا الحكم في أول الإسلام قبل أن يستحكم أمر الطاعة من الناس ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد هادن من العرب قبائل ، كرهط هلال بن عويمر الأسلمي ، وسراقة بن مالك بن جعشم ، وخزيمة بن عامر بن عبد مناف ، فقضت هذه الآية بأنه من وصل من المشركين الذين لا عهد بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم إلى هؤلاء أهل العهد فدخل في عدادهم وفعل من الموادعة فلا سبيل عليه ، وقال عكرمة والسدي وابن زيد : ثم لما تقوى الإسلام وكثر ناصروه نسخت هذه والتي بعدها بما في سورة براءة ، وقال أبو عبيدة وغيره : { يصلون } في هذا الموضع معناه ، ينتسبون ، ومنه قول الأعشى : [ الطويل ]

إذَا اتَّصَلَتْ قَالَتْ : أَبَكْر بْن وَائِلٍ *** وَبَكْرٌ سَبَتْهَا والأُنُوفُ رَوَاغِمُ{[4184]}

يريد إذا انتسبت .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وهذا غير صحيح{[4185]} ، قال الطبري : قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً وهم قرابة السابقين إلى الإسلام يقتضي بأن قرابة من له ميثاق أجدر بأن تقاتل ، فإن قيل : إن النبي عليه السلام لم يقاتل قريشاً إلا بعد نسخ هذه الآية ، قيل : التواريخ تقضي بخلاف ذلك ، لأن الناسخ بهذه الآية هي سورة براءة ، ونزلت بعد فتح مكة وإسلام جميع قريش .

وقوله تعالى : { أو جاءوكم } عطف على { يصلون } ، ويحتمل أن يكون على قوله : { بينكم وبينهم ميثاق } والمعنى في العطفين مختلف{[4186]} ، وهذا أيضاً حكم كان قبل أن يستحكم أمر الإسلام ، فكان المشرك إذا اعتزل القتال وجاء إلى دار الإسلام مسالماً كارهاً لقتال قومه ، مع المسلمين ولقتال المسلمين مع قومه لا سبيل عليه ، وهذه نسخت أيضاً بما في براءة . و { حصرت } : ضاقت وحرجت ، ومنه الحصر في القول ، وهو : ضيق الكلام على المتكلم ، وقرأ الحسن وقتادة «حصرة » كذا قال الطبري : وحكى ذلك المهدوي عن عاصم من رواية حفص ، وحكي عن الحسن أنه قرأ «حصرات » وفي مصحف أبيّ سقط { أو جاءوكم } ، و { حصرت } عند جمهور النحويين في موضع نصب على الحال بتقدير قد حصرت .

قال القاضي أبو محمد : وهذا يصحب الفعل الماضي إذا كان في موضع الحال والداعي إليه أن يفرق بين تقدير الحال وبين خبر مستأنف ، كقولك جاء زيد ركب الفرس ، فإن أردت بقولك ركب الفرس خبراً آخر عن زيد ، لم تحتج إلى تقدير قد ، وإن أردت به الحال من زيد قدرته بقد ، قال الزجاج : { حصرت } خبر بعد خبر ، وقال المبرد : { حصرت } دعاء عليهم .

قال القاضي أبو محمد : وقال بعض المفسرين : لا يصح هنا الدعاء ، لأنه يقتضي الدعاء عليهم بأن لا يقاتلوا قومهم ، ذلك فاسد .

قال المؤلف : وقول المبرد يخرج على أن الدعاء عليهم بأن لا يقاتلوا المسلمين تعجيز لهم ، والدعاء عليهم بأن لا يقاتلوا قومهم تحقير لهم ، أي هم أقل وأحقر ، ويستغنى عنهم ، كما تقول إذا أردت هذا المعنى : لا جعل الله فلاناً عليَّ ولا معي أيضاً ، بمعنى استغنى عنه واستقل دونه ، واللام في قوله : { لسلطهم } جواب { لو } ، وفي قوله : { فلقاتلوكم } لام المحاذاة والازدواج ، لأنها بمثابة الأولى ، لو شاء الله لقواهم وجرأهم عليكم ، فإذا قد أنعم الله عليكم بالهدنة فاقبلوها وأطيعوا فيها ، وقرأت طائفة «فلقتلوكم » وقرأ الجحدري والحسن «فلقتّلوكم » بتشديد التاء ، والمعنى فإن اعتزلوكم أي هادنوكم وتاركوكم في القتل ، و { السلم } هنا الصلح ، قاله الربيع ، ومنه قول الطرماح بن حكيم :

وذاك أن تميماً غادرت سلماً . . . لللأسد كل حصان رعثة الكبد

وقال الربيع : { السلم } هاهنا الصلح ، وكذا قرأته عامة القراء ، وقرأ الجحدري «السلّم » بسكون اللام ، وقرأ الحسن «السّلِمْ » بكسر السين وسكون اللام ، فمعنى جملة هذه الآية ، خذوا المنافقين الكافرين واقتلوهم حيث وجدتموهم ، إلا من دخل منهم في عداد من { بينكم وبينه ميثاق } والتزم مهادنتكم أو من جاءكم وقد كره قتالكم وقتال قومه ، وهذا بفضل الله عليكم ودفاعه عنكم ، لأنه لو شاء { لسلط } هؤلاء الذين هم بهذه الصفة من المتاركة عليكم { فلقاتلوكم } ، فإن اعتزلوكم أي إذا وقع هذا فلم يقاتلوكم ، فلا سبيل لكم عليهم ، وهذا والذي في سورة الممتحنة من قوله تعالى { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم ، إن الله يحب المقسطين }{[4187]} منسوخ بما في سورة براءة ، قاله قتادة وابن زيد وغيرهما .


[4184]:- هذه هي رواية اللسان أيضا، ولكن في المحكم والتهذيب: "قالت: أبكر بن وائل". وجاء في اللسان: "وقال الأعرابي: {إلا الذين يصلون إلى قوم}، أي: ينتسبون" فرأيه كرأي أبي عبيدة الذي ذكره ابن عطية هنا.
[4185]:- وقال النحاس: "هذا غلط عظيم، لأنه ذهب إلى أنه تعالى حظر أن يقاتل أحد بينه وبين المسلمين نسب، والمشركون قد كان بينهم وبين المسلمين السابقين أنساب" قال أبو حيان: يعني: وقد قاتل الرسول ومن معه من انتسب إليهم بالنسب الحقيقي فضلا عن الانتساب". وقال النحاس: "وأشد من هذا الجهل قول من قال: إنه كان ثم نسخ، لأن أهل التأويل مجمعون على أن الناسخ له براءة، وإنما نزلت بعد الفتح، وبعد أن انقطعت الحروب". وهذا الرأي هو الذي اختاره الطبري كما قال ابن عطية بعد ذلك رواية عنه.
[4186]:- شرح ذلك الاختلاف أبو حيان في "البحر" فقال: "واختلافه أن المستثنى إما أن يكون صنفين: واصلا إلى معاهد وجائيا كافا عن القتال، أو صنفا واحدا يختلف باختلاف من وصل إليه من معاهد أو كاف." اهـ. 3/315.
[4187]:- الآية رقم (8) من سورة (الممتحنة).