غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوۡمِۭ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٌ أَوۡ جَآءُوكُمۡ حَصِرَتۡ صُدُورُهُمۡ أَن يُقَٰتِلُوكُمۡ أَوۡ يُقَٰتِلُواْ قَوۡمَهُمۡۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمۡ عَلَيۡكُمۡ فَلَقَٰتَلُوكُمۡۚ فَإِنِ ٱعۡتَزَلُوكُمۡ فَلَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ وَأَلۡقَوۡاْ إِلَيۡكُمُ ٱلسَّلَمَ فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ عَلَيۡهِمۡ سَبِيلٗا} (90)

82

ثم لما أمر بقتل هؤلاء الكفار استثنى عنه موضعين : الأول { إلا الذين يصلون } أي ينتهون ويتصلون { إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق } والمعنى أن من دخل في عهد من كان داخلاً في عهدكم فهم أيضاً داخلون في عهدكم . قال القفال : وقد يدخل في الآية أن يقصد قوم حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم فيتعذر عليهم ذلك المطلوب فيلتجئوا إلى قوم بينهم وبين المسلمين عهد إلى أن يجدوا السبيل إليه . والقوم هم الأسلميون وذلك أنه صلى الله عليه وسلم وادع وقت خروجه إلى مكة هلال بن عويمر الأسلمي على أن لا يعينه ولا يعين عليه ، وعلى أن من وصل إلى هلال ولجأ إليه فله من الجوار مثل الذي لهلال . وقال ابن عباس : هم بنو بكر بن زيد مناة كانوا في الصلح .

وقال مقاتل : هم خزاعة وخزيمة . وههنا نكتة وهي أنه تعالى رفع السيف عمن التجأ إلى الكفار المصالحين فلأن يدفع النار عمن التجأ إلى محبة الله ومحبة رسوله كان أولى . وعن أبي عبيدة : المراد بالوصلة الانتساب . يقال : وصلت إلى فلان واتصلت به إذا انتهيت إليه . وأعترض عليه بأن أهل مكة أكثرهم كانوا متصلين بالرسول صلى الله عليه وسلم من جهة النسب مع أنه كان قد أباح دم الكفار منهم . الاستثناء الثاني قوله : { أو جاءوكم } وفي العطف وجهان : أحدهما أن يكون معطوفاً على صفة قوم والمعنى إلا الذين يصلون إلى قوم معاهدين أو إلى قوم جاؤوكم ممسكين عن القتال لا لكم ولا عليكم . وثانيهما العطف على صلة الذين كأنه قيل : الذين يتصلون بالمعاهد أو إلى الذين لا يقاتلونكم وهذا أنسب بقوله في صفتهم { فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم } إلى آخر الآية . إذ بين أن كفهم عن القتال سبب استحقاقهم لنفي التعرض لهم بالاستقلال لا بواسطة الاتصال .

ومعنى { حصرت صدورهم } ضاقت . والحصر الضيق والانقباض وهو في موضع الحال بإضمار " قد " بدلالة قراءة من قرأ { حصرة } . وجعله المبرد صفة لموصوف محذوف منصوب على الحال أي جاؤوكم قوماً حصرت . وقيل : هو بيان لجاءوكم . وقوله : { أن يقاتلوكم } أي عن أن يقاتلوكم . ثم هؤلاء الجاؤون من الكفار أو من المؤمنين قال الجمهور : هم من الكفار بنو مدلج جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مقاتلين . وعلى هذا يلزم النسخ لأن الكافر وإن ترك القتال جاز قتله ، وقال أبو مسلم : إنه تعالى لما أوجب الهجرة على كل من أسلم استثنى من له عذر وهما طائفتان : إحداهما الذين قصدوا الرسول صلى الله عليه وسلم للهجرة والنصرة إلاّ أنه كان في طريقهم كفار غالبون فصاروا إلى قوم بينهم وبين المسلمين عهد وأقاموا عندهم إلى أن يمكنهم الخلاص .

والثانية من صار إلى الرسول ولا يقاتل الرسول ولا أصحابه لأنه يخاف الله فيه ، ولا يقاتل الكفار أيضاً لأنهم أقاربه أو لأنه بقي أولاده وأزواجه بينهم فيخاف لو قاتلهم أن يقتلوا أولاده وأصحابه . فهذان الفريقان من المشركين لا يحل قتالهم وإن كان لم يوجد منهم الهجرة ومقاتلة الكفار ، وعلى هذا فمعنى قوله : { ولو شاء الله لسلطهم عليكم } أي لو شاء لقوّى قلوبهم ليدفعوا عن أنفسهم إن أقدمتم على مقاتلتهم على سبيل الظلم . وعلى الأول معناه أن ضيق صدورهم عن قتالكم لأن الله قذف الرعب في قلوبهم ، ولو قوّى قلوبهم لتسلطوا عليكم ولقاتلوكم وهو جواب " لو " على التكرير أو البدل . قال الكعبي : إنه تعالى أخبر أنه لو شاء لفعل وهذا ينبئ عن القدرة على الظلم وهو صحيح عندنا ولا يدل على أنه فعل الظلم وأراده والنزاع فيه { فإن اعتزلوكم } أي فإن لم يتعرضوا لكم { وألقوا إليكم السلم } أي الانقياد والاستسلام { فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً } فما أذن لكم في أخذهم وقتلهم