وقوله تعالى : { إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق } يخرج على وجهين :
أحدهما : في لحوق قوم من مظهري الإيمان ، أنهم{[6163]} لو لحقوا بمن لا ميثاق بينكم وبينهم ، ولا عهد ، فاقتلوهم حتى يتوبوا ، ويهاجروا . ولو لحقوا بأهل الميثاق والعهد لا تدعوا لهم الولاية التي كانت بينكم وبينهم .
والثاني : أن تكون الآية في قوم من الأعداء وأهل الحرب لو انضموا إلى أهل الميثاق والعهد فلا تقاتلوهم ، فيكون الأمر عقيب موادعة تجري بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قوم في دورهم على ألا تمانع بينهم الاتصال في الزيادة والاجتماع إلى المدة المجعولة للعهد ممن إذا خيف منهم ينبذ إليهم العهد ، وتوفى إليهم المدة إذا وفوا ، والله أعلم ، كقوله تعالى : { إلا الذين عاهدهم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا } ( التوبة : 4 ) وقوله عز وجل : { فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم } ( التوبة : 7 ) .
وقوله تعالى : { إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق } قال بعضهم : استثنى الذين خرجوا من دار الهجرة مرتدين إلى قومهم ، وكان بينهم وبين المؤمنين عهد وميثاق ، وقالوا{[6164]} . . . وفيهم نزل قوله تعالى : { إلا الذين عاهدهم من المشركين }( التوبة : 4 ) كأنه قال : والله أعلم : إن وصل هؤلاء إلى أولئك الذين{ بينكم وبينهم عهد وميثاق } فلا تقاتلوهم .
وقيل : كان هذا في وحي من العرب بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أمان وعهد ، وكانت{[6165]} الموادعة على أن من أتاهم من المسلمين فهو آمن ، ومن جاء منهم إلى المؤمنين فهو آمن .
يقول ، والله أعلم : إن وصل هؤلاء أو غيرهم إلى أهل عهدهم ، ( وقالوا : نعاهدهم ){[6166]} فإن لهم مثل الذي لأولئك من العهد وترك القتال .
وعن ابن عباس رضي الله عنه ( أنه قال ){[6167]} : ( لما صد مشركو مكة نبي الله صلى الله عليه وسلم عن البيت جاء رجل ، يقال له : كذا من بعض القبائل لينظر ما أمر محمد صلى الله عليه وسلم وقريش ، فرآهم قد حالوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين البيت ، فقال : يا معشر قريش هلكتم ؛ أتردون قوما عما ضفروا رؤوسهم عن البيت ؟ والله لا نشرككم في هذا ، فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم ووداعه ألا يكونوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يكونوا عليه ، ومن لجأ إليه فهو آمن ) . فلا ندري كيف كانت القصة في ذلك ؟ غير أن فيه دليلا أن من اتصل بأهل العهد ، وكان على رأيهم ، فهو بمنزلتهم ، لا يقاتلهم .
ومن قولنا : إن الإمام إذا وادع أهل بلدة من بلدان أهل الحرب ، فمن دخل فيها ، أو اتصل بهم ، فهم آمنوا مثلهم ، لا يحل قتالهم ولا أسرهم حتى ينبذ إليهم عهدهم . وإذا أمن قوما منهم في دار الإسلام ، ووداعهم ، ثم انضم إليهم آخرون ، فدخلوا معهم دار الإسلام ، ( لا يحل ){[6168]} له قتالهم وأسرهم ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { أو جاءوكم حصرت صدورهم } قيل : أي ضيقة صدورهم . وهكذا قال الكسائي : ( كل من ضاق صدره عن فعل أو كلام فقد حصر } . فهذا ، والله أعلم ، ما ذكرنا : أن الموادعة ألا يعين بعضهم بعضا في القتال ، ولا يعينوا عليهم عدوهم . فنهاهم الله عن قتالهم لما أخبر أن قلبوهم تضيق على أن يقاتلوكم مع قومهم معكم .
وفي قوله تعالى أيضا : { أو جاءوكم حصرت صدورهم } يحتمل أن يكون حكم هذا الحرف ما ضمنه الحرف الأول ، فيكون ذلك الشيء ممن ذكرت إذا كان هذا صفته : أن يضيق صدره عن مقاتلة المؤمنين والكافرين جميعا إما بالطبع وإما بوفاء العهد وإما بالنظر في الأمر ليتبين له الحق ، وهو متردد في الأمر بما يجد العارفين{[6169]} بالكتب التي احتج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم مختلفين فيه على ( كمال ){[6170]} عقولهم ، مرتقب بهم ، أو تخلف{[6171]} عن الإحاطة بحق الحق إلا بعد طول النظر ، والله أعلم .
فيكون معنى قوله تعالى : { أو جاءوكم } بمعنى وجاؤوكم . ويحتمل في قوم سوى ( ما ){[6172]} ذكرت من الذين يصلون . لكن أولئك المعاهدين ( أنفسهم هم ){[6173]} الذين أبت أنفسهم نقض العهد بينهم وبين المؤمنين ، وعرضوا{[6174]} على الوفاء به ، وأبت أنفسهم أيضا معونة المؤمنين على قومهم بالموافقة بالمذهب والدين . وعلى ذلك وصف جميع المعاهدين الذين عرضوا على الوفاء بالعهد ، وذلك في حق الآيات التي ذكرنا .
ثم بين ( للذين ينقضون ){[6175]} العهد أو المنافقين الذين متى سئلوا عن الكون على رسول الله والعون لأعدائه الأمر فيهم ؛ وذلك كقوله تعالى : { يا أهل يثرب لا مقام لكم } ( إلى قوله تعالى ){[6176]} : { ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لأتوها } ( الأحزاب : 13و14 ) . وتكون هذه الآية فيهم كقوله تعالى : { لئن لو ينته المنافقون }الآية ( الأحزاب : 60 )فيكون في هذه الآية الإذن ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { ولو شاء الله لسلطهم عليكم } أي نزع من{[6177]} قلوبهم الرعب والخوف{ فلقاتلوكم } ولم يطلبوا منكم الصلح والموادعة{ فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم /107- أ/ وألقوا إليكم السلام } يعني طلبوا الصلح ، وهو قول ابن عباس رضي الله عنه وقيل : قالوا : إنا على دينكم ، وأظهروا الإسلام{ فما جعل الله لكم عليهم سبيلا } أي حجة وسلطان القتال . أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالكف عن هؤلاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.