الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{إِلَّا ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوۡمِۭ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٌ أَوۡ جَآءُوكُمۡ حَصِرَتۡ صُدُورُهُمۡ أَن يُقَٰتِلُوكُمۡ أَوۡ يُقَٰتِلُواْ قَوۡمَهُمۡۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمۡ عَلَيۡكُمۡ فَلَقَٰتَلُوكُمۡۚ فَإِنِ ٱعۡتَزَلُوكُمۡ فَلَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ وَأَلۡقَوۡاْ إِلَيۡكُمُ ٱلسَّلَمَ فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ عَلَيۡهِمۡ سَبِيلٗا} (90)

قولُهُ تعالى : { إِلاَّ الذين يَصِلُونَ إلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ ميثاق }[ النساء :90 ] .

قال ( ص ) : { إِلاَّ الذين يَصِلُونَ } استثناءٌ متَّصِلٌ من مَفْعولِ { فَخُذُوهُمْ واقتلوهم } ، انتهى .

قال ( ع ) : هذه الآيةُ مِنْ آياتِ المُوَادَعَةِ في أول الإسلام ، ثم نُسِخَتْ بما في سورة «بَرَاءَةَ » ، فالآيةُ تقتضي أنَّ مَنْ وصَلَ من المشركِينَ الذين لاَ عَهْدَ بينهم ، وبَيْن النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى هؤلاءِ أهْلِ العهدِ ، فدخَلَ في عِدَادِهِمْ ، وفَعَلَ فِعْلَهم من المُوَادَعَةِ ، فلا سَبِيلَ عليه .

وقوله تعالى : { أَوْ جَاءوكُمْ } عطْفٌ على { يَصِلُونَ } ، ويحتملُ أنْ يكون على قوله : { بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ ميثاق } ، والمعنى في العَطْفَينِ مختلفٌ ، وهذا أيضاً حُكْمٌ قبل أنْ يستحكم أمْرُ الإسلام ، فكان المشرك ، إذا اعتزل القتَالَ ، وجاء إلى دارِ الإِسلامِ مُسَالماً كارهاً لقتالِ قَوْمِهِ من المسلِمِينَ ، ولقِتَالِ المُسْلمين مع قومه ، لا سَبِيلَ عليه ، وهذه نُسِخَتْ أيضاً بما في «براءة » ، ومعنى { حَصِرَتْ } ضاقَتْ ، وحَرِجَتْ ، ومنه : الحَصرُ في القَوْل ، وهو ضِيقُ الكَلاَم علَى المتكلِّم ، وَ{ حَصِرَتْ } : في موضعِ نصبٍ على الحال ، واللاَّمُ في قوله : { لَسَلَّطَهُمْ } جوابٌ «لو » ، والمعنى : ولو شاء اللَّه ، لَسَلَّطَ هؤلاءِ الَّذين هُمْ بهذه الصِّفَة من المُسَالَمَة والمُتَارَكَة عليكم ، { فَإِنِ اعتزلوكم } ، أي : إذا وقَعَ هذا ، ( فلَمْ يقاتِلُوكم ) ، فلا سَبِيلَ لكم عليهم ، وهذا كلُّه ، والذي في سورة «المُمْتَحنة » : { لاَّ ينهاكم الله . . . }[ الممتحنة : 8 ] منسوخٌ ، قاله قتادة وغيره ، و{ السلم } ها هنا الصُّلَحُ .