قوله تعالى : { لا يحزنهم الفزع الأكبر } قال ابن عباس : الفزع الأكبر : النفخة الأخيرة بدليل قوله عز وجل : { ونفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض } قال الحسن : حتى يؤمر بالعبد إلى النار . وقال ابن جريج : حين يذبح الموت وينادى يا أهل الجنة خلود فلا موت ، ويا أهل النار خلود فلا موت . وقال سعيد بن جبير والضحاك : هو أن تطبق عليهم جهنم وذلك بعد أن يخرج الله منها من يريد أن يخرجه . { وتتلقاهم الملائكة } أي تستقبلهم الملائكة على أبواب الجنة يهنئونهم ويقولون : { هذا يومكم الذي كنتم توعدون }
{ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ } أي : لا يقلقهم إذا فزع الناس أكبر فزع ، وذلك يوم القيامة ، حين تقرب النار ، تتغيظ على الكافرين والعاصين فيفزع الناس لذلك الأمر وهؤلاء لا يحزنهم ، لعلمهم بما يقدمون عليه وأن الله قد أمنهم مما يخافون .
{ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ } إذا بعثوا من قبورهم ، وأتوا على النجائب وفدا ، لنشورهم ، مهنئين لهم قائلين : { هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } فليهنكم ما وعدكم الله ، وليعظم استبشاركم ، بما أمامكم من الكرامة ، وليكثر فرحكم وسروركم ، بما أمنكم الله من المخاوف والمكاره .
وقوله : { لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأكْبَرُ } قيل المراد بذلك الموت . رواه عبد الرزاق ، عن يحيى بن ربيعة عن عطاء .
وقيل : المراد بالفزع الأكبر : النفخة في الصور . قاله العَوْفي عن ابن عباس ، وأبو سِنَان سعيد{[19894]} ابن سنان الشيباني ، واختاره ابن جرير في تفسيره .
وقيل : حين يُؤْمَر بالعبد إلى النار . قاله الحسن البصري .
وقيل : حين تُطبق النار على أهلها . قاله سعيد بن جُبَيْر ، وابن جُرَيج .
وقيل : حين يُذبَح الموت بين الجنة والنار . قاله أبو بكر الهذلي{[19895]} ، فيما رواه ابن أبي حاتم ، عنه .
وقوله : { وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } ، يعني : تقول لهم الملائكة ، تبشرهم يوم معادهم إذا خرجوا من قبورهم : { هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } أي : قابلوا{[19896]} ما يسركم .
و { الفزع الأكبر } عام في كل هول في يوم القيامة فكأن يوم القيامة بجملته هو { الفزع الأكبر } وإن خصص بشيء من ذلك فيجب أن يقصد لأعظم هوله ، قالت فرقة في ذلك هو ذبح الموت ، وقالت فرقة هو وقوع طبق جهنم على جهنم ، وقال فرقة هو الأمر بأهل النار إلى النار ، وقالت فرقة هو النفخة الآخرة .
قال القاضي أبو محمد : وهذا وما قبله من الأَوقات أشبه أن يكون فيها { الفزع } لأَنها وقت لترجم الظنون وتعرض الحوادث ، فأما وقت ذبح الموت ووقوع الطبق فوقت قد حصل فيه أهل الجنة في الجنة فذلك فزع بين إلا أنه لا يصيب أحداً من أهل الجنة فضلاً عن الأنبياء ، اللهم إلا أن يريد لا يحزنهم الشيء الذي هو عند أهل النار فزع أكبر ، فأما إن كان فزعاً للجميع فلا بد مما قلنا من أنه قبل دخول الجنة وقد ذهب بعض الناس إلى أن قوله تعالى { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى } يعم كل مؤمن{[1]} .
وروي عن علي بن طالب رضي الله عنه أنه قال عثمان منهم ع ولا مرية أنها مع نزولها في خصوص مقصود تتناول كل من سعد في الآخرة وقوله تعالى : { وتتلقاهم الملائكة } يريد بالسلام عليهم والتبشير لهم ، أي هذا يومكم الذي وعدتم فيه الثواب والنعيم .
جملة { لا يحزنهم الفزع } خبر ثان عن الموصول .
والفزع : نفرة النفس وانقباضها مما تتوقع أن يحصل لها من الألم وهو قريب من الجَزع . والمراد به هنا فزع الحشر حين لا يعرف أحد ما سيؤول إليه أمره ، فيكونون في أمن من ذلك بطمأنة الملائكة إياهم .
وذلك مفاد قوله تعالى : { وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون } فهؤلاء الذين سبقت لهم الحسنى هم المراد من الاستثناء في قوله تعالى :
{ ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا مَن شاء الله } [ النمل : 87 ] .
والتلقي : التعرض للشيء عند حلوله تعرض كرامة . والصيغة تشعر بتكلف لقائه وهو تكلف تهيؤ واستعداد .
وجملة { هذا يومكم الذي كنتم توعدون } مقول لقول محذوف ، أي يقولون لهم : هذا يومكم الذي كنتم توعدون ، تذكيراً لهم بما وُعدوا في الدنيا من الثواب ، لئلا يحسبوا أن الموعود به يقع في يوم آخر . أي هذا يوم تعجيل وعدكم . والإشارة باسم إشارة القريب لتعيين اليوم وتمييزه بأنه اليوم الحاضر .
وإضافة ( يوم ) إلى ضمير المخاطبين لإفادة اختصاصه بهم وكون فائدتهم حاصلة فيه كقول جرير :
يا أيها الراكب المزجي مطيته . . . هذا زمَانُك إني قد خلا زمني
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.