تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{لَا يَحۡزُنُهُمُ ٱلۡفَزَعُ ٱلۡأَكۡبَرُ وَتَتَلَقَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ هَٰذَا يَوۡمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ} (103)

قوله سبحانه : { لا يحزنهم الفزع الأكبر } .

حدثنا أبو محمد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن مقاتل ، عن نعمان ، عن سليم ، عن ابن عباس ، أنه قال على منبر البصرة : ما تقولون في تفسير هذه الآية { لا يحزنهم الفزع الأكبر } ؟ ثلاث مرات فلم يجبه أحد .

فقال : تفسير هذه الآية أن الله ، عز وجل ، إذا أدخل أهل الجنة ، ورأوا ما فيها من النعيم ذكروا الموت ، فيخافون أن يكون آخر ذلك الموت فيحزنهم ذلك ، وأهل النار إذا دخلوا النار ورأوا ما فيها من العذاب يرجون أن يكون آخر ذلك الموت ، فأراد الله ، عز وجل ، أن يقطع حزن أهل الجنة ، ويقطع رجاء أهل النار ، فيبعث الله ، عز وجل ، ملكا وهو جبريل ، عليه السلام ، ومعه الموت في صورة كبش أملح ، فيشرف به على أهل الجنة ، فينادي : يا أهل الجنة ، فيسمع أعلاها درجة وأسفلها درجة ، والجنة درجات ، فيجيبه أهل الجنة ، فيقول : هل تعرفون هذا ؟ فيقولون : نعم ، هذا الموت ، قال : ثم ينصرف به إلى النار ، فيشرف به عليهم فينادي أهل النار ، فيسمع أعلاها دركا ، وأسفلها دركا ، والنار دركات ، فيجيبونه ، فيقول : هل تعرفون هذا ؟ فيقولون : نعم ، هذا الموت ، قال : ثم يرده إلى مكان مرتفع بين الجنة والنار حيث ينظر إليه أهل الجنة ، وأهل النار ، فيقول الملك : إنا ذابحوه ، فيقول أهل الجنة بأجمعهم : نعم ، لكي يأمنوا الموت ، ويقول أهل النار بأجمعهم : لا ، لكي يذوقوا الموت ، قال : فيعمد الملك إلى الكبش الأملح ، وهو الموت فيذبحه ، وأهل الجنة وأهل النار ينظرون إليه ، فينادي الملك : يا أهل الجنة ، خلود لا موت فيه ، فيأمنون الموت . فذلك قوله تعالى : { لا يحزنهم الفزع الأكبر } ثم ينادي الملك : يا أهل النار ، خلود لا موت فيه .

قال ابن عباس : فلولا ما قضى الله ، عز وجل على أهل الجنة من الخلود في الجنة ، لماتوا من فرحتهم تلك ، ولولا ما قضى الله ، عز وجل ، على أهل النار من تعمير الأرواح في الأبدان لماتوا حزنا . فذلك قوله ، عز وجل : { وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر . . . } [ مريم :39 ] يعنى إذ وجب لهم العذاب ، يعنى ذبح الموت ، فاستيقنوا الخلود في النار والحسرة والندامة ، فذلك قول الله ، عز وجل ، للمؤمنين : { لا يحزنهم الفزع الأكبر } يعنى الموت بعد ما دخلوا الجنة .

{ وتتلقاهم الملائكة } يعنى الحفظة الذين كتبوا أعمال بني آدم ، حين خرجوا من قبورهم ، قالوا للمؤمنين : { هذا يومكم الذي كنتم توعدون } آية ، فيه الجنة .