التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{لَا يَحۡزُنُهُمُ ٱلۡفَزَعُ ٱلۡأَكۡبَرُ وَتَتَلَقَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ هَٰذَا يَوۡمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ} (103)

1 الفزع الأكبر : الخوف العظيم من المصير الرهيب .

{ إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون( 101 ) لا يسمعون حسيسها 1 وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون( 102 ) لا يحزنهم الفزع الأكبر2 وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون( 103 ) }[ 101-103 ] .

في هذه الآيات : ذكر لمصير الذين كتب الله لهم السعادة بإيمانهم وأعمالهم الصالحة هم ناجون مبعدون عن النار لا يسمعون صوتها ولا يشعرون بأثرها ، وهم متمتعون بما تشتهيه أنفسهم خالدون في النعم لا يخيفهم ولا يحزنهم الهول الأكبر الذي يخيف الكفار ، وتستقبلهم الملائكة مبشرين قائلين لهم هذا يوم نعيمكم الحقيقي الذي كنتم توعدون به في الدنيا .

ولقد روى المفسرون {[1366]} روايات عديدة متغايرة في التفصيل متفقة في الجوهر خلاصتها : أن الآيات نزلت في مناسبة جدل نشأ عن الآيات السابقة لها ؛ حيث وعظ النبي صلى الله عليه وسلم قريشا في فناء الكعبة الذي كان غاصا بالأصنام فأشار إليها وتلا الآية { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون 98 } فانبرى له شخص اسمه ابن الزبعري ، فقال له : إن العرب يعبدون الملائكة ، والنصارى يعبدون المسيح ، واليهود يعبدون العزير ، وهم من عباد الله المقربين حسب اعترافك فهل هم أيضا حصب جهنم ؟ فنزلت الآيات لتستثني هؤلاء من شمول الآيات السابقة {[1367]} ولا نريد أن ننفي الرواية ، ولكن الذي نرى أن الآيات تلهمه أكثر وخاصة الثالثة منها هو قصد الثناء والتنويه والتطمين للمؤمنين مقابلة لما احتوته الآيات السابقة لها جريا على الأسلوب القرآني . ومن المحتمل أن الحادث الذي روته الروايات قد وقع فتليت الآيات بسبيل الرد على ابن الزبعري فالتبس الأمر على الرواة . ولقد احتوت آيات عديدة ما احتوته الآيات بسبيل ذكر مصير المؤمنين المخلصين وتطمينهم في المناسبات المماثلة حيث يدعم هذا ترجيحنا . وتكون الآيات بذلك متصلة سياقا وموضوعا بسابقاتها كما هو واضح .


[1366]:انظر تفسير الطبري والبغوي والخازن وابن كثير والطبرسي.
[1367]:انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري والزمخشري والبغوي وابن كثير والخازن .