فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَا يَحۡزُنُهُمُ ٱلۡفَزَعُ ٱلۡأَكۡبَرُ وَتَتَلَقَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ هَٰذَا يَوۡمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ} (103)

{ لا يحزنهم } بفتح الياء وضم الزاي ، وقرئ بضم الياء وكسر الزاي .

قال اليزيدي : حزنه لغة قريش وأحزنه لغة تميم ، بيان لنجاتهم من الفزع بالكلية إثر بيان نجاتهم من النار لأنهم إذا لم يحزنهم { الفزع الأكبر } وهو أهوال يوم القيامة من البعث والحساب والعقاب ، والأمر بالعبد إلى النار ، لا يحزنهم ما عداه بالضرورة .

وقال ابن عباس : هو النفخة الآخرة ، وقيل هو حين يذبح الموت وينادي يا أهل النار خلود ولا موت ، وقيل هو حين يطبق على جهنم ، وذلك بعد أن يخرج الله منها من يريد أن يخرجه ، ثم تغلق النار على أهلها .

وأخرج أحمد والترمذي وحسنه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ثلاثة على كثبان المسك لا يهولهم الفزع الأكبر يوم القيامة ؛ رجل أمّ قوما وهم له راضون ، ورجل كان يؤذن في كل يوم وليلة وعبد أدى حق الله وحق مواليه ) {[1217]} .

{ وتتلقاهم الملائكة } أي تستقبلهم على أبواب الجنة يهنونهم ، وقال المحلي : عند خروجهم من القبور ، ولا مانع أنها تستقبلهم في الحالين ، ويقولون لهم { هذا يومكم الذي كنتم توعدون } به في الدنيا وتبشرون بما فيه ، هكذا قال جماعة من المفسرين : أن المراد بقوله : { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى } إلى هنا هم كافة الموصوفين بالإيمان والعمل الصالح لا المسيح وعزير والملائكة ، لأن عليا قرأ هذه الآية ، ثم قال : أنا منهم وأبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمان بن عوف .

وقال أكثر المفسرين : إنه لما نزل { إنكم وما تعبدون } الآية أتى ابن الزبعري{[1218]} إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ألست تزعم أن عزيرا رجل صالح وأن عيسى رجل صالح ، وأن مريم امرأة صالحة ؟ قال : بلى ، قال : فإن الملائكة وعيسى وعزيرا ومريم يعبدون من دون الله ، فهؤلاء في النار ، فأنزل الله هذه الآية إلى آخرها أخرجه ابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس وأخرجه أبو داود والطبراني من وجه آخر بأطول منه .


[1217]:الترمذي كتاب البر باب 54- كتاب الجنة باب 25- الإمام أحمد2/26.
[1218]:الزبعري معناه السيء الخلق الغليظ وهو لقب والد عبد الله القرشي ولقد أسلم بعد هذه القصة إ هـ منه.