معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ بَلۡ مَكۡرُ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ إِذۡ تَأۡمُرُونَنَآ أَن نَّكۡفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجۡعَلَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَۚ وَجَعَلۡنَا ٱلۡأَغۡلَٰلَ فِيٓ أَعۡنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۖ هَلۡ يُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (33)

قوله تعالى : { وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار } أي : مكركم بنا في الليل والنهار ، والعرب تضيف الفعل إلى الليل والنهار على توسع الكلام ، كما قال الشاعر :

ونمت وما ليل المطي بنائم *** . . .

وقيل : ( مكر الليل والنهار ) هو طول السلامة وطول الأمل فيهما ، كقوله تعالى : { فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم } { إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أنداداً وأسروا } وأظهروا { الندامة } وقيل : أخفوا ، وهو من الأضداد ، { لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا } في النار الأتباع والمتبوعين جميعاً { هل يجزون إلا ما كانوا يعملون } من الكفر والمعاصي في الدنيا .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ بَلۡ مَكۡرُ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ إِذۡ تَأۡمُرُونَنَآ أَن نَّكۡفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجۡعَلَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَۚ وَجَعَلۡنَا ٱلۡأَغۡلَٰلَ فِيٓ أَعۡنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۖ هَلۡ يُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (33)

{ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا } أي : بل الذي دهانا منكم ، ووصل إلينا من إضلالكم ، ما دبرتموه من المكر ، في الليل والنهار ، إذ تُحَسِّنون لنا الكفر ، وتدعوننا إليه ، وتقولون : إنه الحق ، وتقدحون في الحق وتهجنونه ، وتزعمون أنه الباطل ، فما زال مكركم بنا ، وكيدكم إيانا ، حتى أغويتمونا وفتنتمونا .

فلم تفد تلك المراجعة بينهم شيئا إلا تبري بعضهم من بعض ، والندامة العظيمة ، ولهذا قال : { وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ } أي : زال عنهم ذلك الاحتجاج الذي احتج به بعضهم على بعض لينجو من العذاب ، وعلم أنه ظالم مستحق له ، فندم كل منهم غاية الندم ، وتمنى أن لو كان على الحق ، [ وأنه ] ترك الباطل الذي أوصله إلى هذا العذاب ، سرا في أنفسهم ، لخوفهم من الفضيحة في إقرارهم على أنفسهم . وفي بعض مواقف القيامة ، وعند دخولهم النار ، يظهرون ذلك الندم جهرا .

{ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا } الآيات .

{ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ }

{ وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا } يغلون كما يغل المسجون الذي سيهان في سجنه كما قال تعالى { إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ } الآيات .

{ هَلْ يُجْزَوْنَ } في هذا العذاب والنكال ، وتلك الأغلال الثقال { إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } من الكفر والفسوق والعصيان .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ بَلۡ مَكۡرُ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ إِذۡ تَأۡمُرُونَنَآ أَن نَّكۡفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجۡعَلَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَۚ وَجَعَلۡنَا ٱلۡأَغۡلَٰلَ فِيٓ أَعۡنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۖ هَلۡ يُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (33)

{ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَار } أي : بل كنتم تمكرون بنا ليلا ونهارا ، وتَغُرّونا وتُمَنّونا ، وتخبرونا أنا على هدى وأنا على شيء ، فإذا جميع ذلك باطل وكَذبٌ ومَيْن .

قال قتادة ، وابن زيد{[24351]} : { بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ } يقول : بل مكرهم بالليل والنهار . وكذا قال مالك ، عن زيد بن أسلم : مكرهم بالليل والنهار .

{ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا } أي نظراء وآلهة معه ، وتقيموا لنا شُبَهًا وأشياءَ من المحال تضلونا بها { وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ } أي : الجميع من السادة والأتباع ، كُلٌّ نَدم على ما سَلَف منه .

{ وَجَعَلْنَا الأغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا } : وهي السلاسل التي تجمع أيديهم مع أعناقهم ، { هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }{[24352]} أي : إنما نجازيكم بأعمالكم{[24353]} ، كُلٌّ بحسبه ، للقادة عذاب بحسبهم ، وللأتباع بحسبهم { قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 38 ] .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا فَرْوَة بن أبي المغراء ، حدثنا محمد بن سليمان{[24354]} بن الأصبهاني ، عن أبي سنان ضرار بن صُرَد ، عن عبد الله بن أبي الهُذَيل{[24355]} ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن جهنم لما سيق إليها أهلها تَلَقَّاهم لهبها ، ثم لَفَحَتْهُم لفحةً فلم يبق لحم{[24356]} إلا سقط على العرقوب » . {[24357]}

وحدثنا{[24358]} أبي ، حدثنا أحمد بن أبي الحواري ، حدثنا الطيب أبو الحسن ، عن الحسن بن يحيى الخُشَني قال : ما في جهنم دار ولا مغار ولا غل ولا سلسلة ولا قيد ، إلا اسم صاحبها عليه مكتوب . قال : فحدثته أبا سليمان - يعني : الداراني ، رحمة الله عليه{[24359]} - فبكى ثم قال : ويحك . فكيف به لو جمع هذا كله عليه ، فجعل القيد في رجليه ، والغُلّ في يديه والسلسلة في عنقه ، ثم أدخل النار وأدخل المغار ؟ ! .


[24351]:- في ت ، أ: "ابن زيد بن أسلم".
[24352]:- في ت ، س: "هل تجزون إلا ما كنتم تعلمون".
[24353]:- في أ: "نجازيهم بأعمالهم".
[24354]:- في أ: "سليم".
[24355]:- في ت: "روى ابن أبي حاتم بإسناده".
[24356]:- في ت: "فلم يبق لهم لحم".
[24357]:- ورواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (4848) "مجمع البحرين" وأبو نعيم في الحلية (4/363) من طرق عن محمد بن سليمان الأصبهاني ، به. وقال الهيثمي في المجمع (10/389): "وفيه محمد بن سليمان الأصبهاني وهو ضعيف".
[24358]:- في ت: "وروى".
[24359]:- في ت: "رحمه الله".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ بَلۡ مَكۡرُ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ إِذۡ تَأۡمُرُونَنَآ أَن نَّكۡفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجۡعَلَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَۚ وَجَعَلۡنَا ٱلۡأَغۡلَٰلَ فِيٓ أَعۡنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۖ هَلۡ يُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (33)

{ وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار } إضراب عن إضرابهم أي لم يكن إجرامنا الصاد بل مكركم لنا دائبا ليلا ونهارا حتى أعورتم علينا رأينا . { إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا } والعاطف يعطفه على كلامهم الأول وإضافة ال{ مكر } إلى الظرف على الاتساع ، وقرئ { مكر الليل } بالنصب على المصدر و{ مكر الليل } بالتنوين ونصب الظرف و{ مكر الليل } من الكرور . { وأسروا الندامة لما رأوا العذاب } وأضمر الفريقان الندامة على الضلال والإضلال وأخفاها كل عن صاحبه مخافة التعيير ، أو أظهروها فإنه من الأضداد إذ الهمزة للإثبات والسلب كما في أكشيته . { وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا } أي في أعناقهم فجاء بالظاهر تنويها بذمهم وإشعارا بموجب أغلالهم . { هل يجزون إلا ما كانوا يعملون } أي لا يفعل بهم ما يفعل إلا جزاء على أعمالهم ، وتعدية يجزي إما لتضمين معنى يقضي أو بنزع الخافض .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ بَلۡ مَكۡرُ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ إِذۡ تَأۡمُرُونَنَآ أَن نَّكۡفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجۡعَلَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَۚ وَجَعَلۡنَا ٱلۡأَغۡلَٰلَ فِيٓ أَعۡنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۖ هَلۡ يُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (33)

هذه مراجعة من الأتباع للرؤساء حين قالو لهم : إنما كفرتم ببصائر أنفسكم قال المستضعفون بل كفرنا بمكركم بنا بالليل والنهار «وأضاف المكر إلى الليل والنهار من حيث هو فيهما » ولتدل هذه الإضافة على الدؤوب والدوام ، وهذه الإضافة كما قالوا «ليل نائم ونهار صائم » ، وأنشد سيبويه

* فنام ليلي وتجلى همي *{[9665]}

وهذه قراءة الجمهور ، وقرأ قتادة بن دعامة «بل مكرٌ الليلَ والنهارَ » بتنوين «مكرٌ » ونصب «الليلَ والنهارَ » على الظرف ، وقرأ سعيد بن جبير «بل مكَرّ » بفتح الكاف وشد الراء من كر يكر وبالإضافة إلى «الليل والنهار » وذكر عن يحيى بن يعمر وكأن معنى هذه الآية الإحالة على طول الأمل والاغترار بالأيام مع أمر هؤلاء الرؤساء بالكفر بالله ، و «الند » المثيل والشبيه ، والضمير في قوله { أسروا } عام جميع ما تقدم ذكره من المستضعفين والمستكبرين ، { أسروا } معناه اعتقدوها في نفوسهم ، ومعتقدات النفس كلها سر لا يعقل غير ذلك ، وإنما يظهر ما يصدر عنها من كلام أو قرينة ، وقال بعض الناس { أسروا } معناه أظهروا وهي من الأضداد .

قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا كلام من لم يعتبر المعنى أما نفس الندامة فلا تكون إلا مستسرة ضرورة ، وأما الظاهر عنها فغيرها ولم يثبت قط في لغة أن أسر من الأضداد ، وقوله تعالى : { لما رأوا العذاب } أي وافوه وتيقنوا حصولهم فيه وباقي الآية بين .


[9665]:أي: نمت فيه: وهذا مثل قول جرير: لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ونمت وما ليل المطي بنائم إذ أسند النوم إلى الليل إسنادا مجازيا عقليا، والأصل أن يسند النوم إلى الناس، وهذا من باب التوسع المجازي، والعلاقة هنا الزمانية. قال الفراء في(معاني القرآن):"المكر ليس لليل ولا للنهار، وإنما المعنى: بل مكركم بالليل والنهار، وقد يجوز أن تضيف الفعل إلى الليل والنهار، ويكونا كالفاعلين؛ لأن العرب تقول: نهارك صائم، وليلك قائم، ثم تضيف الفعل إلى الليل والنهار وهو في المعنى للآدميين، كما تقول: نام ليلك"اهـ.(معاني القرآن2-363).