قوله عز وجل :{ قل من يرزقكم من السموات والأرض } فالرزق من السموات : المطر ، ومن الأرض : النبات ، { قل الله } أي : إن لم يقولوا رازقنا الله فقل أنت إن رازقكم هو الله ، { وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين } ليس هذا على طريق الشك ولكن على جهة الإنصاف في الحاج ، كما يقول القائل للآخر : أحدنا كاذب ، وهو يعلم أنه صادق وصاحبه كاذب . والمعنى : ما نحن وأنتم على أمر واحد بل أحد الفريقين مهتد والآخر ضال ، فالنبي صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه على الهدى ، ومن خالفه في ضلال ، فكذبهم من غير أن يصرح بالتكذيب . وقال بعضهم : أو بمعنى الواو ، والألف فيه صلة ، كأنه قال : وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ، يعني : نحن على هدى وأنتم في الضلال . { قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون* }
24 - 27 } { قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ * قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ * قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }
يأمر تعالى ، نبيه محمدا صلى اللّه عليه وسلم ، أن يقول لمن أشرك باللّه ويسأله عن حجة شركه : { مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } فإنهم لا بد أن يقروا أنه اللّه ، ولئن لم يقروا ف { قُلِ اللَّهُ } فإنك لا تجد من يدفع هذا القول ، فإذا تبين أن اللّه وحده الذي يرزقكم من السماوات والأرض ، وينزل [ لكم ] المطر ، وينبت لكم النبات ، ويفجر لكم الأنهار ، ويطلع لكم من ثمار الأشجار ، وجعل لكم الحيوانات جميعها ، لنفعكم ورزقكم ، فلم تعبدون معه من لا يرزقكم شيئا ، ولا يفيدكم نفعا ؟ .
وقوله : { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } أي : إحدى الطائفتين منا ومنكم ، على الهدى ، مستعلية عليه ، أو في ضلال مبين ، منغمرة فيه ، وهذا الكلام يقوله من تبين له الحق ، واتضح له الصواب ، وجزم بالحق الذي هو عليه ، وبطلان ما عليه خصمه .
أي : قد شرحنا من الأدلة الواضحة عندنا وعندكم ، ما به يعلم علما يقينا لا شك فيه ، من المحق منا ، ومن المبطل ، ومن المهتدي ومن الضال ؟ حتى إنه يصير التعيين بعد ذلك ، لا فائدة فيه ، فإنك{[736]} إذا وازنت بين من يدعو إلى عبادة الخالق ، لسائر المخلوقات المتصرف فيها ، بجميع أنواع التصرفات ، المسدي جميع النعم ، الذي رزقهم وأوصل إليهم كل نعمة ، ودفع عنهم كل نقمة ، الذي له الحمد كله ، والملك كله ، وكل أحد من الملائكة فما دونهم ، خاضعون لهيبته ، متذللون لعظمته ، وكل الشفعاء تخافه ، لا يشفع أحد منهم عنده إلا بإذنه العلي الكبير ، في ذاته ، وأوصافه ، وأفعاله ، الذي له كل كمال ، وكل جلال ، وكل جمال ، وكل حمد وثناء ومجد ، يدعو إلى التقرب لمن هذا شأنه ، وإخلاص العمل له ، وينهى عن عبادة من سواه ، وبين من يتقرب إلى أوثان ، وأصنام ، وقبور ، لا تخلق ، ولا ترزق ، ولا تملك لأنفسها ، ولا لمن عبدها ، نفعا ولا ضرا ، ولا موتا ولا حياة ، ولا نشورا ، بل هي جمادات ، لا تعقل ، ولا تسمع دعاء عابديها ، ولو سمعته ما استجابت لهم ، ويوم القيامة يكفرون بشركهم ، ويتبرأون منهم ، ويتلاعنون بينهم ، ليس لهم قسط من الملك ، ولا شركة فيه ، ولا إعانة فيه ، ولا لهم شفاعة يستقلون بها دون اللّه ، فهو يدعو مَنْ هذا وصفه ، ويتقرب إليه مهما أمكنه ، ويعادي من أخلص الدين للّه ، ويحاربه ، ويكذب رسل اللّه ، الذين جاءوا بالإخلاص للّه وحده ، تبين{[737]} لك أي الفريقين ، المهتدي من الضال ، والشقي من السعيد ؟ ولم يحتج إلى أن يعين لك ذلك ، لأن وصف الحال ، أوضح من لسان المقال .
يقول تعالى مقررًا تفرُّدَه بالخلق والرزق{[24335]} ، وانفراده بالإلهية أيضا ، فكما كانوا يعترفون بأنه لا يرزقهم من السماء{[24336]} والأرض - أي : بما ينزل من المطر وينبت من الزرع - إلا الله ، فكذلك فليعلموا أنه لا إله غيره .
وقوله : { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ } : هذا من باب اللف والنشر ، أي : واحد من الفريقين مبطل ، والآخر محق ، لا سبيل إلى أن تكونوا أنتم ونحن على الهدى أو على الضلال ، بل واحد منا مصيب ، ونحن قد أقمنا البرهان على التوحيد ، فدل على بطلان ما أنتم عليه من الشرك بالله ؛ ولهذا قال : { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ } .
قال قتادة : قد قال ذلك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم للمشركين : والله ما نحن وإياكم على أمر واحد ، إن أحد الفريقين لمهتد .
وقال عِكْرِمة وزياد بن أبي مريم : معناه : إنا نحن لعلى هدى ، وإنكم لفي ضلال مبين .
{ قل من يرزقكم من السماوات والأرض } يريد به تقرير قوله { لا يملكون } . { قل الله } إذ لا جواب سواه ، وفي إشعار بأنهم سكتوا أو تلعثموا في الجواب مخافة الإلزام فهم مقرون به بقلوبهم . { وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين } أي وإن أحد الفريقين من الموحدين المتوحد بالرزق والقدرة الذاتية بالعبادة ، والمشركين به الجماد النازل في أدنى المراتب الإمكانية لعلى أحد الأمرين من الهدى والضلال المبينين ، وهو بعد ما تقدم من التقرير البليغ الدال على من هو على الهدى ومن هو في الضلال أبلغ من التصريح لأنه في صورة الانصاف المسكت للخصم المشاغب ، ونظيره قول حسان :
أتهجوه ولست له بكفء *** فشركما لخيركما الفداء
وقيل إنه على اللف والنشر وفيه نظر ، واختلاف الحرفين لان الهادي كمن صعد منارا ينظر الأشياء ويتطلع عليها أو ركب جوادا يركضه حيث يشاء ، والضال كأنه منغمس في ظلام مرتبك لا يرى شيئا أو محبوس في مطمورة لا يستطيع أن يتفصى منها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.