فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{۞قُلۡ مَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ قُلِ ٱللَّهُۖ وَإِنَّآ أَوۡ إِيَّاكُمۡ لَعَلَىٰ هُدًى أَوۡ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (24)

ثم أمر الله سبحانه رسوله : أن يبكت المشركين ، ويوبخهم ، فقال : { قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّنَ السموات والأرض } أي من ينعم عليكم بهذه الأرزاق التي تتمتعون بها ، فإن آلهتكم لا يملكون مثقال ذرة ، والرّزق من السماء هو المطر ، وما ينتفع به منها من الشمس ، والقمر ، والنجوم ، والرّزق من الأرض هو النبات ، والمعادن ونحو ذلك ، ولما كان الكفار لا يقدرون على جواب هذا الاستفهام ، ولم تقبل عقولهم نسبة هذا الرّزق إلى آلهتهم ، وربما يتوقفون في نسبته إلى الله مخافة أن تقوم عليهم الحجة ، فأمر الله رسوله بأن يجيب عن ذلك ، فقال : { قُلِ الله } أي هو الذي يرزقكم من السماوات والأرض ، ثم أمره سبحانه أن يخبرهم بأنهم على ضلالة ، لكن على وجه الإنصاف في الحجة بعد ما سبق تقرير من هو على الهدى ، ومن هو على الضلالة ، فقال : { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ في ضلال مُّبِينٍ } والمعنى : أن أحد الفريقين من الذين يوحدون الله الخالق الرّازق ، ويخصونه بالعبادة ، والذين يعبدون الجمادات التي لا تقدر على خلق ولا رزق ولا نفع ولا ضرّ لعلى أحد الأمرين من الهدى والضلالة ، ومعلوم لكلّ عاقل أن من عبد الذي يخلق ، ويرزق وينفع ويضرّ هو الذي على الهدى ، ومن عبد الذي لا يقدر على خلق ولا رزق ولا نفع ولا ضرّ هو الذي على الضلالة ، فقد تضمن هذا الكلام بيان فريق الهدى ، وهم المسلمون ، وفريق الضلالة ، وهم المشركون على وجه أبلغ من التصريح .

قال المبرّد : ومعنى هذا الكلام معنى قول المتبصر في الحجة لصاحبه : أحدنا كاذب ، وقد عرف : أنه الصادق المصيب ، وصاحبه الكاذب المخطىء . قال : و " أو " عند البصريين على بابها ، وليست للشكّ ، لكنها على ما تستعمله العرب في مثل هذا إذا لم يرد المخبر أن يبين ، وهو عالم بالمعنى . وقال أبو عبيدة ، والفرّاء : هي بمعنى : الواو ، وتقديره : وإنا على هدى ، وإياكم لفي ضلال مبين ، ومنه قول جرير :

أثعلبة الفوارس أو رباحا *** عدلت بهم طهية والربابا

أي ثعلبة ورباحاً ، وكذا قول الآخر :

فلما اشتد بأس الحرب فينا *** تأملنا رباحاً أو رزاما

أي : ورزاماً ، وقوله : { أو إياكم } معطوف على اسم إن وخبرها هو المذكور ، وحذف خبر الثاني للدلالة عليه ، أي إنا لعلى هدى أو في ضلال مبين ، وإنكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ، ويجوز العكس : وهو كون المذكور خبر الثاني ، وخبر الأوّل محذوفاً ، كما تقدّم في قوله : { والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } [ التوبة : 62 ] .

/خ27