الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{۞قُلۡ مَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ قُلِ ٱللَّهُۖ وَإِنَّآ أَوۡ إِيَّاكُمۡ لَعَلَىٰ هُدًى أَوۡ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (24)

ثُمَّ أَمَرَ اللّهُ نَبِيَّه صلى الله عليه وسلم عَلَى جِهَةِ الاحْتِجَاجِ وَإقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلى الرَّازِقِ لَهُمْ مِنَ السماوات والأَرْضِ مَنْ هُوَ ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَقْتَضِبَ الاحْتِجَاجِ بِأَنْ يَأَتِيَ بِجَوَابِ السُّؤَالِ ؛ إذْ هُمْ فَي بَهْتَةٍ وَوَجْمَةٍ مِنَ السُّؤالِ ؛ وإذ لاَ جَوَابَ لَهُمْ إلاَّ أَنْ يَقُولُوا : هُو اللّهُ ، وهذهِ السَّبِيلُ في كلِّ سُؤَالِ جَوَابَهُ فِي غَايةِ الوُضُوحِ ؛ لأَنَّ المُحْتَجَّ يُرِيدُ أنْ يَقْتَضِبَ وَيَتَجَاوَزَ إلَى حُجَّةٍ أُخْرَى بُورِدُها ، وَنَظَائِرُهَا فِي القُرْآنِ كَثِيرٌ .

وقوله تعالى : { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ } تلطفٌ فِي الدَّعْوَةِ والمُحَاوَرَةِ والمَعْنَى : كَمَا تقولُ لِمَنْ خَالَفَكَ فِي مَسْأَلَةِ أَحَدَنَا مُخْطِئ تَثَبَّتْ وَتَنَبَّهُ ؛ وَالمَفْهُومُ مِنْ كَلامِكَ أنّ مُخَالِفَكَ هُو المخطئ فَكَذلكَ هَذَا ، مَعْنَاهُ : وَإنا { لَعَلَى هَدًى أو فِي ضَلالٍ مبِينٍ } ؛ وَإنَّكُمْ { لَعَلَى هَدًى أوْ فِي ضَلاَلِ مُبِينٍ } ؛ فَتَنَبَّهُوا ، وَالمَقْصِدُ أَنَّ الضَّلاَلَ فِي حَيِّزِهِم ؛ وَحَذْفُ أَحَدِ الخَبَرَيْنِ لدَلاَلةِ البَاقِي عَلَيْهِ .