نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{۞قُلۡ مَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ قُلِ ٱللَّهُۖ وَإِنَّآ أَوۡ إِيَّاكُمۡ لَعَلَىٰ هُدًى أَوۡ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (24)

ولما سلب{[56828]} عن شركائهم أن يملكوا شيئاً من الأكوان ، وأثبت{[56829]} جميع الملك له وحده ، أمره صلى الله عليه وسلم بأن يقررهم بما يلزم منه ذلك فقال : { قل من يرزقكم } ولما كان كل شيء من الرزق متوقفاً على الكونين ، وكان في معرض الامتنان والتوبيخ جمع لئلا يدعي أن لشيء من العالم العلوي مدبراً غيره سبحانه فقال : { من السماوات } وقال : { والأرض } بالإفراد لأنهم لا يعلمون غيرها .

ولما كان من المعلوم أنهم مقرّون بأن ذلك لله وحده كما تقدم التصريح به غير مرة ، {[56830]}وكان{[56831]} من المحقق أن إقرارهم بذلك ملزم لهم{[56832]} الإخلاص في العبادة عند كل من له أدنى مسكة من عقله ، أشار إلى ذلك بالإشارة{[56833]} بأمره صلى الله عليه وسلم بالإجابة إلى أنهم كالمنكرين لهذا ، لأن إقرارهم به لم ينفعهم فقال : { قل الله } أي الملك الأعلى{[56834]} وحده ، وأمره بعد إقامة{[56835]} هذا الدليل البين{[56836]} بأن يتبعه{[56837]} ما هو أشد عليهم من وقع النبل بطريق لا أنصف منه ، ولا يستطيع أحد أن يصوب إليه نوع طعن بأن يقول مؤكداً تنبيهاً على وجوب إنعام النظر في تمييز المحق من المبطل بالانخلاع من الهوى ، فإن الأمر في غاية الخطر : { وإنا } أي أهل التوحيد في العبادة لمن تفرد بالرزق{[56838]} { أو إياكم } أي{[56839]} أهل الإشراك به من لا يملك شيئاً من الأشياء و " أو " على بابها لا بمعنى الواو ، أي إن أحد فريقينا{[56840]} على إحدى الحالتين مبهمة{[56841]} غير معينة فهو على خطر عظيم لكونه في شك من أمره غير مقطوع له بالهدى ، فانظروا بعقولكم في تعيينه هل هو الذي عرف الحق{[56842]} لأهله أو{[56843]} الذي بذل الحق لغير أهله ، قال ابن الجوزي : وهذا كما تقول للرجل تكذبه : والله إن أحدنا لكاذب ، وأنت تعنيه تكذيباً غير مكشوف{[56844]} ويقول الرجل : والله لقد قدم فلان ، فيقول له من يعلم كذبه : قل إن شاء الله ، فيكذبه بأحسن من تصريح التكذيب ، يعني ولا سيما بعد إقامة الدليل على المراد ثم مثل المهتدين بمن هو على متن جواد يوجهه حيث شاء من الجواد بقوله : { لعلى هدى } أي في متابعة ما ينبغي أن يعمل مستعلين عليه ناظرين لكل ما يمكن أن يعرض فيه مما قد يجر إلى ضلال فتنكبه{[56845]} { أو في ضلال } أي{[56846]} عن الحق في الاعتقاد المناسب فيه منغمسين فيه وهو محيط بالمبتلى به لا يتمكن معه من وجه صواب : { مبين * } أي واضح في نفسه داع لكل أحد إلى معرفة أنه ضلال إلا من كان منغمساً فيه مظروفاً له ، فإنه لا يحس بنفسه وما بينه وبين أن يستبصر إلا أن يخرج منه وقتاً ما فيعلم أنه كان في حاله ذلك فاعلاً ما لا يفعله من له نوع من العقل ، ففي هذا حث على النظر الذي كانوا يأبونه بقوله : قلوبنا في أكنة }[ فصلت : 5 ] ونحوه في{[56847]} الأدلة التي يتميز بها الحق من الباطل على أحسن وجه بأنصف دعاء وألطف نداء حيث{[56848]} شرك الداعي نفسه معهم فيما دعاهم إلى النظر فيه ، فالمعنى أنه يتعين على كل منا - إذا كان على إحدى{[56849]} الطريقين مبهمة - أن ينظر في أمره{[56850]} ليسلم فإن الأمر في غاية الوضوح مع{[56851]} أن الضال في نهاية الخطر ، ولقد كان الفضلاء من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وذوو{[56852]} الأحلام والنهى منهم يقولون ذلك بعد{[56853]} الإسلام كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص ، وناهيك بهما جلالاً ، ونباهة وذكاء وكمالاً ، قالوا : والله كنا نعجب غاية العجب ممن يدخل في الإسلام واليوم نحن{[56854]} نعجب غاية العجب ممن يتوقف عنه{[56855]} .


[56828]:من ظ ومد، وفي الأصل وم: سبب.
[56829]:في ظ: اتبع.
[56830]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: فكان.
[56831]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: فكان.
[56832]:من م ومد، وفي الأصل وظ: له.
[56833]:زيد من ظ وم ومد.
[56834]:زيد من ظ ومد.
[56835]:زيد من ظ وم ومد.
[56836]:زيد من ظ وم ومد.
[56837]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: بتبع.
[56838]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: في الرزق.
[56839]:سقط من ظ وم ومد.
[56840]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: و ـ كذا.
[56841]:من م ومد، وفي الأصل وظ: مهمة.
[56842]:زيد من ظ وم ومد.
[56843]:زيد في الأصل: هو، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.
[56844]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: مكشوفا.
[56845]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: فتنتكبه.
[56846]:زيد من ظ وم ومد.
[56847]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: من.
[56848]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: حتى.
[56849]:من ظ ومد، وفي الأصل وم: أحد.
[56850]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: نفسه.
[56851]:سقط من ظ.
[56852]:من م ومد، وفي الأصل وظ: ذو.
[56853]:زيد في الأصل: هذا، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.
[56854]:زيد من م ومد.
[56855]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: فيه.