قوله تعالى : { من يصرف عنه } ، يعني : من يصرف العذاب عنه ، قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر ، عن عاصم و يعقوب ( يصرف ) بفتح الياء وكسر الراء ، من ، أي : من يصرف الله عنه العذاب ، فقد رحمه ، وقرأ الآخرون بضم الياء وفتح الراء .
قوله تعالى : { يومئذ } ، يعني : يوم القيامة .
قوله تعالى : { فقد رحمه وذلك الفوز المبين } ، أي : النجاة البينة .
{ مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ } يعني : العذاب { يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ } يعني : فقد رحمه الله { وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ }{[10598]} كما قال : { فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ } [ آل عمران : 185 ] ، والفوز : هو حصول الربح ونفي الخسارة .
القول في تأويل قوله تعالى : { مّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ } . .
اختلف القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامّة قراء الحجاز والمدينة والبصرة : مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ بضم الياء وفتح الراء ، بمعنى : من يصرف عنه العذاب يومئد . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة «مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ » بفتح الياء وكسر الراء ، بمعنى : من يصرف الله عنه العذاب يومئذ .
وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندي ، قراءة من قرأه : «يَصْرِفْ عَنْهُ » بفتح الياء وكسر الراء ، لدلالة قوله : فَقَدْ رَحِمَهُ على صحة ذلك ، وأن القراءة فيه بتسمية فاعله . ولو كانت القراءة في قوله : مَنْ يُصْرَفُ على وجه ما لم يسمّ فاعله ، كان الوجه في قوله : فَقَدْ رَحِمَهُ أن يقال : «فقد رُحِم » غير مسمى فاعله وفي تسمية الفاعل في قوله : فَقَدْ رَحِمَهُ دليل على بين أن ذلك كذلك في قوله : «مَنْ يَصْرِفُ عَنْهُ » . وإذا كان ذلك هو الوجه الأولى بالقراءة ، فتأويل الكلام : مَنْ يَصْرِفْ عَنْهُ من خلقه يَوْمِئِذٍ عذابه فَقَدْ رَحِمَهُ وذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ المُبِينُ . ويعني بقوله : ذَلِكَ : وصرف الله عنه العذاب يوم القيامة ، ورحمته إياه الفَوْزُ أي النجاة من الهلكة والظفر بالطلبة المُبِينُ يعني الذي بين لمن رآه أنه الظفر بالحاجة وإدراك الطلبة .
وبنحو الذي قلنا في قوله : مَنْ يَصْرِفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ قال : من يصرف عنه العذاب .
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم «من يُصرَف عنه » بضم الياء وفتح الراء ، والمفعول الذي أسند إليه الفعل هو الضمير العائد على العذاب فهو مقدر ، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم أيضاً : «من يصرف عنه » فيسند الفعل إلى الضمير العائد إلى { ربي } ويعمل في ضمير العذاب المذكور آنفاً لكنه مفعول محذوف ، وحكي أنه ظهر في قراءة عبد الله وهي «من يصرفه عنه يومئذ » ، وفي قراءة أبيّ بن كعب «من يصرفه الله عنه » وقيل : إنها من يصرف الله عنه ، قال أبو علي وحذف هذا الضمير لا يحسن كما يحسن حذف الضمير من الصلة ، كقوله عز وجل :{ أهذا الذي بعث الله رسولاً }{[4842]} وكقوله : { وسلام على عباده الذين اصطفى }{[4843]} معناه بعثه . واصطفاهم فحسن هذا للطول كما علله سيبويه ، ولا يحسن هذا لعدم الصلة ، قال بعض الناس القراءة بفتح الياء «من يَصرف » أحسن لأنه يناسب { فقد رحمه } وكان الأولى على القراءة الأخرى «فقد رحم » ليتناسب الفعلان .
قال القاضي أبو محمد : وهذا توجيه لفظي تعلقه خفيف ، وأما بالمعنى فالقراءتان واحد ، ورجح قوم قراءة ضم الياء لأنها أقل إضماراً ، وأشار أبو علي إلى تحسين القراءة بفتح الياء بما ذكرناه ، وأما مكي بن أبي طالب رحمه الله فتخبط في كتاب الهداية في ترجيح القراءة بفتح الياء ، ومثل في احتجاجه بأمثلة فاسدة والله ولي التوفيق{[4844]} .
و( رحم ) عامل في الضمير المتصل وهو ضمير [ من ] ومستند إلى الضمير العائد إلى ربي ، وقوله : { وذلك } إشارة إلى صرف العذاب وإلى الرحمة ، والفوز والنجاة .
{ يصرف } مبني للمجهول في قراءة الأكثر ، على أنّه رافع لضمير العذاب أو لضمير { من } على النيابة عن الفاعل . والضمير المجرور ب« عن » عائد إلى { مَن } أي يصرف العذاب عنه ، أو عائد إلى العذاب ، أي من يصرف هو عن العذاب ، وعلى عكس هذا العود يكون عود الضمير المستتر في قوله : { يصرف } .
وقرأه حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم ، ويعقوب ، وخلف { يصرف } بالبناء للفاعل على أنّه رافع لضمير { ربّي } على الفاعلية .
أمّا الضمير المستتر في { رحمَهُ } فهو عائد إلى { ربّي } ، والمنصوب عائد إلى { مَن } على كلتا القراءتين .
ومعنى وصف العذاب بمضمون جملة الشرط والجزاء ، أي من وفّقه الله لتجنّب أسباب ذلك العذاب فهو قد قدّر الله له الرحمة ويسّر له أسبابها .
والمقصود من هذا الكلام إثبات مقابل قوله : { إنّي أخاف إن عصيت ربّي عذاب يوم عظيم } كأنّه قال : أرجو إن أطعته أن يرحمني ربّي ، لأنّ من صرف عنه العذاب ثبتت له الرحمة . فجاء في إفادة هذا المعنى بطريقة المذهب الكلامي . وهو ذكر الدليل ليعلم المدلول . وهذا ضرب من الكناية وأسلوب بديع بحيث يدخل المحكوم له في الحكم بعنوان كونه فرداً من أفراد العموم الذين ثبت لهم الحكم .
ولذلك عقّبه بقوله : { وذلك الفوز المبين } . والإشارة موجّهة إلى الصرف المأخوذ من قوله : { من يصرف عنه } أو إلى المذكور . وإنّما كان الصرف عن العذاب فوزاً لأنّه إذا صرف عن العذاب في ذلك اليوم فقد دخل في النعيم في ذلك اليوم . قال تعالى : { فمن زحزح عن النار وأدخل الجنّة فقد فاز } [ آل عمران : 185 ] . و { المبين } اسم فاعل من أبان بمعنى بان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.