قوله تعالى : { فلعلك } ، يا محمد ، { تارك بعض ما يوحى إليك } ، فلا تبلغه إياهم . وذلك أن كفار مكة لما قالوا : { ائت بقرآن غير هذا } [ يونس-15 ] ليس فيه سب آلهتنا هم النبي صلى الله عليه وسلم أن يدع آلهتهم ظاهرا ، فأنزل الله تعالى : { فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك } يعني : سب الآلهة ، { وضائق به صدرك } ، أي : فلعلك يضيق صدرك { أن يقولوا } ، أي : لأن يقولوا ، { لولا أنزل عليه كنز } ينفقه { أو جاء معه ملك } ، يصدقه ، قاله عبد الله بن أبي أمية المخرومي . قال الله تعالى : { إنما أنت نذير } ليس عليك إلا البلاغ ، { والله على كل شيء وكيل } حافظ .
{ 12 - 14 } { فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }
يقول تعالى - مسليا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، عن تكذيب المكذبين- : { فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ } أي : لا ينبغي هذا لمثلك ، أن قولهم يؤثر فيك ، ويصدك عما أنت عليه ، فتترك بعض ما يوحى إليك ، ويضيق صدرك لتعنتهم بقولهم : { لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ } فإن هذا القول ناشئ من تعنت ، وظلم ، وعناد ، وضلال ، وجهل بمواقع الحجج والأدلة ، فامض على أمرك ، ولا تصدك هذه الأقوال الركيكة التي لا تصدر إلا من سفيه ولا يضق لذلك صدرك .
فهل أوردوا عليك حجة لا تستطيع حلها ؟ أم قدحوا ببعض ما جئت به قدحا ، يؤثر فيه وينقص قدره ، فيضيق صدرك لذلك ؟ !
أم عليك حسابهم ، ومطالب بهدايتهم جبرا ؟ { إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } فهو الوكيل عليهم ، يحفظ أعمالهم ، ويجازيهم بها أتم الجزاء .
يقول تعالى مسليّا لرسوله الله صلى الله عليه وسلم ، عما كان يتعنت به المشركون ، فيما كانوا يقولونه عن الرسول - كما أخبر تعالى عنهم - : { وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ لَوْلا أُنزلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنز أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا } [ الفرقان : 7 ، 8 ] . فأمر الله تعالى رسوله ، صلوات الله تعالى وسلامه عليه ، وأرشده إلى ألا يضيق بذلك منهم صَدْرُه ، ولا يهيدنه ذلك ولا يُثْنينَّه عن دعائهم إلى الله عز وجل آناء الليل وأطراف النهار ، كما قال تعالى : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } [ الحجر : 97 - 99 ] ، وقال هاهنا : { فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا } أي : لقولهم ذلك ، فإنما أنت نذير ، ولك أسوة بإخوانك من الرسل قبلك ، فإنهم كُذبُوا وأوذُوا فصبروا حتى أتاهم نصر الله عز وجل .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَعَلّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىَ إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنّمَآ أَنتَ نَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فلعلك يا محمد تارك بعض ما يوحي إليك ربك أن تبلغه من أمرك بتبليغه ذلك ، وضائق بما يوحي إليك صدرك فلا تبلغه إياهم مخافة أنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ له مصدّق بأنه لله رسول . يقول تعالى ذكره : فبلغهم ما أوحيته إليك ، فإنك إنّمَا أنْتَ نَذِيرٌ تنذرهم عقابي وتحذّرهم بأسي على كفرهم بي ، وإنما الاَيات التي يسألونكها عندي وفي سلطاني أنزلها إذا شئت ، وليس عليك إلا البلاغ والإنذار . وَاللّهُ على كُلّ شَيْءٍ وَكِيلٌ يقول : والله القيم بكلّ شيء وبيده تدبيره ، فانفذ لما أمرتك به ، ولا يمنعك مسألتهم إياك الاَيات من تبليغهم وحيي والنفوذ لأمري .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : قال الله لنبيه : فَلَعَلّكَ تَارِكٌ بَعضَ ما يُوحَى إِلِيْكَ أن تفعل فيه ما أمرت وتدعو إليه كما أرسلت ، قالوا : لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ لا نرى معه مالاً ، أين المال ؟ أوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ ينذر معه ، إنّمَا أنْتَ نَذِيرٌ فبلغ ما أمرت .
{ فلعلّك تاركٌ بعض ما يوحى إليك } تترك تبليغ بعض ما يوحى إليك وهو ما يخالف رأي المشركين مخافة ردهم واستهزائهم به ، ولا يلزم من توقع الشيء لوجود ما يدعو إليه وقوعه لجواز أن يكون ما يصرف عنه وهو عصمة الرسل عن الخيانة في الوحي والثقة في التبليغ ها هنا . { وضائقٌ به صدرك } وعارض لك أحيانا ضيق صدرك بأن تتلوه عليهم مخافة . { أن يقولون لولا أُنزل عليه كنز } ينفقه في الاستتباع كالملوك . { أو جاء معه مَلكٌ } يصدقه وقيل الضمير في { به } مبهم يفسره { أن يقولوا } . { إنما أنت نذير } ليس عليك إلا الإنذار بما أوحي إليك ولا عليك ردوا أو اقترحوا فما بالك يضيق به صدرك . { والله على كل شيء وكيل } فتوكل عليه فإنه عالم بحالهم وفاعل بهم جزاء أقوالهم وأفعالهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.