تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَلَعَلَّكَ تَارِكُۢ بَعۡضَ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيۡكَ وَضَآئِقُۢ بِهِۦ صَدۡرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ كَنزٌ أَوۡ جَآءَ مَعَهُۥ مَلَكٌۚ إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٞۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ وَكِيلٌ} (12)

وقوله تعالى : ( فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ ) حرف لعل يحتمل وجهين :

[ أحدهما : يحتمل ][ في الأصل وم : يحتمل على ] النهي ؛ أي لا تترك بعض ما يوحى إليك ، وإن كان معلوما أنه لا يترك كقوله : ( ولا تكونن من المشركين )[ الأنعام : 14 ] [ وقوله : ][ ساقطة من الأصل وم ] ( فلا تكونن من الممترين )[ البقرة : 147 ] وأمثالهما[ في الأصل وم : وأمثاله ] . نهاه ، وإن كان معلوما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفعل ذلك ، وإنما احتمل النهي كما يقول[ في الأصل وم : يقال ] الرجل لآخر : لعلك تريد أن تفعل كذا ، فيكون[ في الأصل وم : فهو ] نهاه عن ذلك .

والثاني : يقال عند القرب من الفعل والدنو منه كقوله : ( لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا )[ الإسراء : 74 ] يقال : حرف كاد عند الميل إليه والقرب منه في إيمانهم ذلك في ما يحل له الترك ، وذلك ما قيل من نحو سب آلهتهم وذكر العيب فيها ، ويحل له ترك سب آلهتهم وشتمها .

وكذلك يخرج قوله : ( لعلك باخع نفسك )[ الشعراء : 3 ] على هذين الوجهين :

[ أحدهما ][ ساقطة من الأصل وم ] : على المنع : ألا يحمل على نفسه إشفاقا على أنفسهم ألا يؤمنوا لما يوجب تلفه .

والثاني : على التخفيف كقوله : ( ولا تحزن علهيم )الآية[ النحل : 127 ] [ وقوله ][ ساقطة من الأصل وم ] : ( ولا تخافي ولا تحزني )[ القصص : 7 ] هو على التخفيف ليس على النهي .

وفي قوله : ( فلعلك تارك ) الآية وجه آخر ، وهو نهي يخرج مخرج البشارة مما كان يخاف من ضيق صدره واشتغال قلبه عند سوء معاملتهم إياه [ في وجهين :

أحدهما : ما يقع ][ في الأصل وم : فيقع ] له فيه في إبلاغ ما أمر تبليغه [ البشارة ][ ساقطة من الأصل وم ] ، فأمنه الله عن ذلك ، وعصمه .

والوجه الثاني : في النهي عن ذلك هو ما يقع له فيه الرجاء ؛ وذلك أن الأخيار إذا ابتلوا بالأشرار ، وقد يؤذن له في حال من الأحوال بتأخير التبليغ ، /237-أ/ فأيأسه عن ذلك ، وكلفه بتبليغ ما أمر له في جميع أحواله .

[ وقوله تعالى : ][ ساقطة من الأصل وم ] ( بعض ما يوحى إليك ) يحتمل ما ذكر أهل التأويل من سب آلهتهم وغيبها وما تدعو إليه .

وقوله تعالى : ( وضائق به صدرك ) يضيق صدره بما يقولون له استهزاء . وكذلك الحق أن كل من استهزأ به يُضَيق[ أدرج في الأصل وم قبلها : أن ] صدرَه ، وأي يَضِيق صدرُه لما لا يقدر على إتيان ما طلبوا منه من الملك وإنزال الملك وقد وعدوا أن يؤمنوا إن فعل ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ ) لأن للكنز والملك محلا[ ي الأصل وم : محل ] في قلوب أولئك وقدرا[ في الأصل وم : وقدر ] . فقالوا : ( لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ ) [ فيعظموه ، ويصدقوا ما يوحى إليه ][ في الأصل وم : فيعظمونه فيصدق ما يوحى ] ويدعو . وكذلك الملك له محل عظيم عندهم ؛ إذا كان معه عظموه ، وصدقوه .

وقوله تعالى : ( إنما أنت نذير ) على إثر قولهم : ( لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أو جاء معه ملك ) أي ( إنما أنت نذير ) ليس عليك إتيان ما سألوا ، إنما ذلك تحكم منهم على الله وأماني ، فعليك إبلاغ ما أنزل إليك كقوله : ( إن عليك إلا البلاغ )[ الشورى : 48 ] ( والله على كل شيء وكيل ) أي حفيظ لكل ما يقولون فيك ، ويتفوهون به ، أو هو الوكيل أو الحفيظ لا أنت كقوله : ( لست عليهم بمصيطر )[ الغاشية : 22 ] وقوله : ( وما أنت عليهم بوكيل )[ الأنعام : 107 ] ونحوه ، والله أعلم .