لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{فَلَعَلَّكَ تَارِكُۢ بَعۡضَ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيۡكَ وَضَآئِقُۢ بِهِۦ صَدۡرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ كَنزٌ أَوۡ جَآءَ مَعَهُۥ مَلَكٌۚ إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٞۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ وَكِيلٌ} (12)

قوله عز وجل : { فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك } الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فلعلك يا محمد تارك بعض ما يوحى إليك ربك أن تبلغه إلى من أمرك أن تبلغ ذلك إليه { وضائق به صدرك } يعني ويضيق صدرك بما يوحى إليك فلا تبلغه إياهم وذلك أن كفار مكة قالوا ائت بقرآن غير هذا ليس فيه سب آلهتنا فهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يترك ذكر آلهتهم ظاهراً فأنزل الله عز وجل فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك يعني من ذكر آلهتهم هذا ما ذكره المفسرون في معنى هذه الآية وأجمع المسلمون على أنه صلى الله عليه وسلم فيما كان طريقه البلاغ فإنه معصوم فيه من الإخبار عن شيء منه بخلاف ما هو به لا خطأ ولا عمداً ولا سهواً ولا غلطاً وأنه صلى الله عليه وسلم بلغ جميع ما أنزل الله عليه إلى أمته ولم يكتم منه شيئاً وأجمعوا على أنه لا يجوز على رسول الله صلى الله عليه وسلم خيانة في الوحي والإنذار ولا يترك بعض ما أوحي إليه لقول أحد لأن تجويز ذلك يؤدي إلى الشك في أداء الشرائع والتكاليف لأن المقصود من إرسال الرسول التبليغ إلى من أرسل إليه فإذا لم يحصل ذلك فقد فاتت فائدة الرسالة والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم من ذلك كله وإذا ثبت هذا وجب أن يكون المراد بقوله تعالى فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك شيئاً آخر سوى ما ذكره المفسرون .

وللعلماء في ذلك أجوبة :

أحدها : قال ابن الأنباري : قد علم الله سبحانه وتعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يترك شيئاً مما يوحى إليه إشفاقاً من موجدة أحد وغضبه ولكن الله تعالى أكد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في متابعة الإبلاغ من الله سبحانه وتعالى كما قال : { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك } الآية .

الثاني : أن هذا من حثه سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وتحريضه على أداء ما أنزله إليه والله سبحانه وتعالى من وراء ذلك في عصمته مما يخافه ويخشاه .

الثالث : أن الكفار كانوا يستهزئون بالقرآن ويضحكون منه ويتهاونون به وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضيق صدره لذلك وأن يلقي إليهم ما لا يقبلونه ويستهزئون به فأمره الله سبحانه وتعالى بتبليغ ما أوحي إليه وأن لا يلتفت إلى استهزائهم وأن يتحمل هذا الضرر أهون من كتم شيء من الوحي ، والمقصود من هذا الكلام التنبيه على هذه الدقيقة لأن الإنسان إذا علم أن كل واحد من طرفي الفعل والترك مشتمل على ضرر عظيم ثم علم أن الضرر في باب الترك أعظم سهل عليه الإقدام على الفعل ، وقيل : إن الله سبحانه وتعالى مع علمه بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يترك شيئاً من الوحي هيجه لأداء الرسالة وطرح المبالاة باستهزائهم وردهم إلى قبول قوله بقوله : { فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك } أي لعلك تترك أن تلقيه إليهم مخافة ردهم واستهزائهم به وضائق به صدرك أي بأن تتلوه عليهم { أن يقولوا } يعني مخافة أن يقولوا { لولا أنزل عليه كنز } يعني يستغني به وينفقه { أو جاء معه ملك } يعني يشهد بصدقه وقائل هذه المقالة هو عبد الله بن أمية المخزومي .

والمعنى أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن كانت صادقاً في قولك بأنك رسول الله الذي تصفه بالقدرة على كل شيء وأنت عزيز عنده مع أنك فقير فهلا أنزل عليك ما تستغني به أنت وأصحابك وهل أنزل عليك ملكاً يشهد لك بالرسالة فتزول الشبهة في أمرك فأخبر الله عز وجل أنه صلى الله عليه وسلم نذير بقوله عز وجل : { إنما أنت نذير } تنذر بالعقاب لمن خالفك وعصى أمرك وتبشر بالثواب لمن أطاعك وآمن بك وصدقك { والله على كل شيء وكيل } يعني أنه سبحانه وتعالى حافظ يحفظ أقوالهم وأعمالهم فيجازيهم عليها يوم القيامة .